د.عبد الكريم بكار
ستة أمور نتطلع إليها في منظمة متحدون ضد التعصب الطائفي، حيث
مضت مشيئة الله تعالى في عباده على أن يكونوا مختلفين في تركيبهم الذهني والنفسي وفي نظرهم للأمور وتقديرهم للأشياء على ما نلمسه في قوله سبحانه: “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم.”
وقد أذن الإسلام لذلك التنوع بالتفتح من خلال منعه للإكراه على الانتماء إلى دين أو مذهب أو اتجاه معين فالإنسان مسؤول عن اختياراته وهذه المسؤولية تتطلب توفير حرية الاختيار لكن الملاحظ أن الإنسان مع أنه يظل في حاجة إلى العيش مع أخيه الإنسان إلا أن التجربة التاريخية علمت البشر أن أكبر المخاطر والأضرار التي يمكن أن تحيط بالإنسان، وتلحق به هي بالضبط من إنسان أخر يعيش معه في بلدة واحدة، وذلك بسبب ما جُبل عليه الإنسان من حب السيطرة والنفوذ والاستحواز والتوسع
على حساب الأخرين.
منذ سبعينيات القرن العشرين – على الأقل – صارت كلمات طائفية وصراع طائفي واحتقان طائفي وتحيز طائفي من الكلمات المستخدمة بكثرة في شرقنا العربي.
أما (العنصرية) فإنها صاحبت المد القومي الذي أخذ في التبلور في بدايات القرن العشرين حيث صار هناك نوع من الفرز المجتمعي على أساس عرقي ولغوي، وترتب عليه نوع من العزل والتهميش للكتل السكانية الأصغر حجماً مما أفقد مجتمعاتنا الشعور بالوحدة والعدالة.
إن الطائفية تشير معجمياً إلى مجموعة من الناس ترتبط بعلاقةٍ ما تحدد هويتها المتمايزة عن المجموعات الأخرى التي تعيش معها في وطن واحد، وهكذا فالإنسان الطائفي منفتح على طائفته التي يشعر بفخر الانتساب إليها في الوقت الذي ينغلق فيه عن جمهور مجتمعه وعن أبناء الطوائف الأخرى؛ مما يشكل مقدمة للتنافر والتظالم.
قد كان من المفترض أن يقوم المثقفون في الطوائف والعرقيات والإثنيات المختلفة بتجسير العلاقة بينها ومقاومة ما ينشأ من مشكلات في التعايش بسبب تباين المكونات، ولكن الذي حدث – مع الأسف – هو العكس حيث إن الاستثمار في التعددية والطائفية على نحو مرَضي أو تحويل التنوع الطبيعي إلى عصبيات متناكفة بل متحاربة كان من قِبل مثقفي الطوائف وليس من قبل الأشخاص العاديين، ولهذا فإننا نقول:
لا طائفية من دون طائفيين.
إن من الطبيعي جداً أن يشعر المرء بخصوصية الانتماء إلى دين أو مذهب أو قبيلة أو جهة جغرافية بل إن هذا الإنتماء قد يتم توظيفه في الخدمة والمساعدة والنهوض بالدوائر الخاصة التي ينتمي إليها المرء لكن المستنكر هو اتخاذ الانتماء إلى الطائفة… أساساً للعدوان على الآخرين والاستخفاف بهم وتهميشهم وهضم حقوقهم وأساساً لطمس معايير الحق ورفضه؛ مما يدمر أسس العيش المشترك لأبناء البلد الواحد
والمنطقة الواحدة.
إن القرأن الكريم وضح لنا بجلاء أن التفاضل بين الناس لا ينبغي أن يكون شيئاً سوى الاستقامة الشخصية ونفع العباد والبلاد فقال سبحانه:
” إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.
وزاد النبي صل الله عليه وسلم ذلك إيضاحاً في العديد من النصوص منها قوله في أكبر تجمع لأصحابه في يوم عرفة حيث قال:
“يا أيها الناس إن ربكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.
قد تعلمنا من التاريخ أن العنف الطائفي كثيراً ما يكون أشد من العنف الذي يحدث بين أبناء دينين مختلفين وأن العدوان بين ذوي القربى يمكن أن يكون أشد وأكبر من العدوان الذي يمارسه الغريب ضد غريب عنه وذلك لأسباب عدة؛ مما يعني إيلاء اهتمام أشد للتباينات الأقل شأناً.
إن الانحرف بالتنوع المذهبي والطائفي عن طبيعته قد أوجد لدينا ما يسمى الملحد السني والملحد الشيعي, والملحد الإسماعيلي في سياق واضح من نقل التباين من فضاء الفكر والاعتقاد إلى سياق السياسة والتحشيد الشعبي وهذا يتم بجهود من زعماء الطوائف الذين امتلكوا النفوذ والوجاهة والمال والفوز في الانتخابات على أساس أنهم يدافعون عن حقوق طوائفهم ثم يتبين للناس أن أولئك الزعماء هم أكثر من جلب البلاء والعداء لمن زعموا أنهم يدافعون عنهم!
من نحن؟
نحن مجموعة من المثقفين متنوعي التخصصات، يجمعنا الاهتمام بالشأن العام والحرص على حماية منطقتنا والعالم من الصراعات الطائفية والدينية والعرقية والجهوية, وكل الاستخدامات السيئة والسلبية للهويات الفرعية بقطع النظر عن انتماء من يقوم بذلك من الزعماء والمثقفين وغيرهم… ويمكننا القول إننا نشكل حلفاً ثقافياً أخلاقياً ذا أبعاد إنسانية ووطنية يهدف إلى إيجاد تيار ثقافي عريض ينبذ التعصب الطائفي العنصري ويدعم مقومات العيش المشترك والتعايش السلمي في بلداننا والعالم، وسيكون من مشاغلنا الأساسية فضح الممارسات الطائفية و العنصرية وتجريمها وبيان ضررها بالإضافة إلى تعزيز ثقافة العدالة وسيادة القانون والنزاهة والتفهم المتبادل بين كل مكونات مجتمعاتنا، ونود في هذا الإطار أن نشير إلى أمرين:
الأول: هو أننا في تحركاتنا وأنشطتنا لن نسعى إلى التقارب الفكري والعقدي بين المكونات العرقية والطائفية؛ فهذا ليس من شأننا ولا يقع في دائرة اهتمامنا مع أن الجهود التي بذلت للتقريب بين السنة والشيعة خلال النصف الثاني من القرن المنصرم قد باءت بالفشل الذريع.
الثاني: هو أن البلاد التي شهدت وتشهد صراعات طائفية أدت إلى قتل مئات الألوف من الناس و تهجير الملايين منهم لن تشهد الاستقرار، ولن تستعيد لحمتها الوطنية إلا من خلال “عدالة انتقالية” تتم فيها محاسبة كبار المجرمين وتعويض الضحايا مادياً ومعنوياً؛ فحقوق الناس لا تسقط بالتقادم
إننا بعد طلب المعونة من الله تعالى نؤمل كثيراً في استجابة أهل الوعي والمروءة والاعتدال من كل المكونات والطوائف لدعوتنا في إنشاء التيار الثقافي الوطني المأمول وإننا نمد أيدينا لهم جميعاً بغية توفير أجواء آمنة وملائمة للعيش الحر الكريم في أوطان مزقتها الانقسامات الطائفية العرقية.
نحن بعد هذا وذاك تحالف مستقل ولا علاقة له بأي دولة أو جهة أو حزب أو جماعة ما، ونظرتنا للتعصب الطائفي والإثني والعرقي على أنه نوع من الظلم، ونحن مع المظلوم أبداً وضد الظالم أبداً ومع المعتدي عليه في وجه المعتدي؛ فالعدل مطلوب من كل أحد لكل أحد والظلم مرفوض من أي أحد ولأي أحد.
تطلعاتنا:
1- أن نوسع تحالفنا الثقافي على نحو مستمر لنشكل مع الأيام التيارَ الأعرض في مواجهة التحيزات الطائفية والعنصرية بغية حماية الأجيال من هذا الفيروس الخطير.
2- العمل على استصدار مواثيق دولية وإقليمية تدين كل أشكال التعصب الطائفي والعنصري.
3- تكوين ثقافة إقليمية وعالمية وتكوين وعي عالمي بحقوق الفئات المضطهدة بسبب التعصبات العرقية والطائفية
4- تشجيع وتقدير المواقف الحكومية والمؤسسية والفردية التي تناهض التعصب.
5- إنشاء مرصد إقليمي للانتهاكات المرتبطة بالتعصب.
6- ترسيخ ثقافة المواطنة القائمة على المساواة والتداول السلمي للسلطة وسيادة القانون وتكافؤ الفرص وعدالة توزيع الثروة والشفافية، والبعد عن حل المشكلات داخل الأوطان عن طريق الأقتتال والتعانف.
إننا من أجل كل ذلك سنطلق عدداً كبيراً من الأنشطة الإعلامية والتثقيفية إلى جانب عقد مؤتمر سنوي جامع و إقامة عدد من الندوات وورش العمل والحوارات المستمرة.
نسأل الله تعالى السداد والمعونة