المسلمون في الهند.. مأساة تتفاقم وصمت عربي وإسلامي يطول
عدنان حميدان
في كل مرة نقرأ فيها عن واقعة عنف ضد المسلمين في الهند، نظنّها حادثة عابرة في بلد مترامي الأطراف يضم أكثر من مليار وثلاثمئة مليون نسمة. لكن من يتتبع المشهد بعمق يدرك أن ما يجري هناك ليس مجرد “استثناءات”، بل نمط ممنهج من التمييز والتهميش والتحريض، أخذ يتجذر في بنية الدولة والمجتمع منذ سنوات، وسط صمت دولي وعربي مؤلم.
وراء الأرقام وجداول السياسة، هناك وجوه حقيقية تدفع ثمن هذا التمييز يوميًا.
في شوارع دلهي، حيث تختلط الأصوات والديانات والألوان، ما زالت آثار أحداث عام 2020، ودماء ضحاياها، شاهدة على جريمة لم تُمحَ بعد. يومها، هاجمت مجموعات متطرفة أحياء المسلمين، فقتل أكثر من خمسين شخصًا وأُحرقت مئات المنازل والمساجد، فقط لأنهم تجرؤوا على الاعتراض على “قانون تعديل الجنسية” الذي يستثني المسلمين من حق التجنيس. تلك الأحداث لم تكن عفوية، بل جاءت في مناخ سياسي تغذّيه خطابات علنية لكراهية المسلمين، يُطلقها أحيانًا سياسيون من الصف الأول دون مساءلة أو خجل.
يبلغ عدد المسلمين في الهند نحو 200 مليون نسمة، أي ما يعادل سكان دولة بحجم البرازيل تقريبًا. ومع ذلك، يعيش كثير منهم على هامش الحياة السياسية والاقتصادية. تشير الدراسات إلى أن نسبة تمثيل المسلمين في البرلمان الهندي لا تتجاوز 5%، في حين يعانون أعلى معدلات البطالة بين الفئات الدينية. وفي استطلاع لمعهد “بيو” الأمريكي عام 2021، قال 40% من مسلمي شمال الهند إنهم تعرضوا شخصيًا للتمييز بسبب دينهم خلال عام واحد فقط. لكن خلف هذه الأرقام واقع يومي أكثر قسوة.
فالمشاهد التي تتكرر باتت جزءًا من مشهد مألوف: منع الفتيات من دخول المدارس بسبب الحجاب في كارناتاكا، وهدم بيوت المسلمين بالجرافات في أوتار براديش ومدياه براديش تحت ذريعة “مخالفة القوانين”، واتهام مزارعين فقراء بتهريب الأبقار وتعريضهم للضرب حتى الموت من قبل حشود غاضبة في غوجارات وراجستان.
وصفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” هذه السياسات بأنها تحويلٌ للتمييز إلى منظومة إدارية، بينما صنّفت لجنة الحريات الدينية الأمريكية الهند كـ“دولة مثار قلق خاص” بسبب انتهاك حرية المعتقد. ورغم ذلك، تمضي الحكومة الهندية في تكريس هذا النهج عبر استثمار خطاب الأغلبية الدينية في الانتخابات، مدفوعة بشعبوية متنامية تستفيد من مشاعر الخوف والانقسام.
صحيح أن بعض الدول الخليجية استدعت سفراء الهند عام 2022 احتجاجًا على تصريحات مسيئة للنبي ﷺ صدرت عن مسؤولين في الحزب الحاكم، لكن الموقف لم يتطور إلى ما هو أبعد من ردّ فعلٍ دبلوماسي مؤقت. سرعان ما عادت العلاقات إلى طبيعتها التجارية، بل وأُبرمت بعدها اتفاقيات اقتصادية واستثمارية بمليارات الدولارات.
الواقع أن الهند اليوم شريك اقتصادي رئيسي لدول الخليج، وتستقبل أكثر من ثمانية ملايين عامل هندي، وتستورد النفط والغاز، وتبيع الخدمات التقنية والعقود الدفاعية. هذه المصالح الهائلة تجعل فرض أي عقوبات اقتصادية أو دبلوماسية أمرًا مستبعدًا. لكن غياب العقوبات لا يعني غياب الضغط الأخلاقي والسياسي.
يمكن للعالم العربي والإسلامي أن يتحرك في اتجاهات أخرى أكثر فاعلية:
1.توثيق الانتهاكات بشكل منهجي عبر لجان قانونية تابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، تُرفع تقاريرها إلى الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الدولية.
2.ربط التعاون الاقتصادي والاستثماري بمؤشرات احترام حقوق الإنسان، كما تفعل الدول الغربية في اتفاقاتها التجارية.
3.دعم الإعلام والمجتمع المدني داخل الهند، وتوفير الحماية القانونية للمدافعين عن حقوق الأقليات.
4.تنظيم حملات توعية ثقافية ودبلوماسية تضع القضية على جدول أعمال المؤتمرات الإسلامية، وتُبرز المعاناة الإنسانية بعيدًا عن الشعارات.
لقد تجاوزت المعاناة هناك مرحلة “الحوادث الفردية”. فالمسلم الهندي بات يشعر بأن انتماءه إلى الإسلام هو جريمته الأولى، وأن العدالة لا تراه إلا من زاوية الشك. ومع ذلك، ما زال هؤلاء الناس متشبثين بأرضهم وتاريخهم وثقافتهم، يحاولون العيش بكرامة وسط بحر من القوانين والتهميش.
اللافت حقًا أن هذه العنصرية تحدث في بلد طالما قدّم نفسه للعالم بوصفه “أكبر ديمقراطية في الأرض”. لكن الديمقراطية لا تُقاس بأوراق الاقتراع ولا بإرث غاندي، بقدر ما تُقاس بالممارسات على الأرض.
إن ما يجري في الهند اليوم امتحانٌ لمبادئ العدالة الدولية، واختبارٌ لضمير الأمة الإسلامية. وإذا ظل الصمت هو اللغة الوحيدة، فإن التاريخ سيكتب أن مئتي مليون مسلمٍ تُركوا وحدهم يواجهون آلة التحريض والتهميش، في وقتٍ كان فيه العالم العربي مشغولًا بعقود التجارة لا بأوجاع الأمة التي يُفترض أنها جسدٌ واحد.
فالبعض قد يتساءل: من خذل غزة، كيف له أن ينتصر لمسلمي الهند؟