أثناء فترة العشاء ليلة السبت الماضي، كان جاي باتيل يدير مطعمه المخصص للأشخاص النباتيين والذي يحمل اسم “شيف ساجار” في منطقة جولدن مايل الشهيرة في مدينة ليستر. كانت قاعة الطعام مكتظة بنحو 80 زبونا وبينهم عضو في مجلس المدينة عندما مر بجانب المطعم حشد ضخم من الشباب.
تشير التقديرات إلى أن ذاك الحشد ضم مئات الرجال في تلك الليلة؛ معظمهم كانوا ملثمين يرتدون ملابس سوداء من الرأس وحتى أخمص القدمين، وبدا أن بعضهم كان مسلحا.
يقول جاي باتيل إن المشهد كان مرعبا، “كان الناس يركضون على هذا الجانب، وذاك، وهم يقرعون الباب. أطفأنا كل الأضواء وأغلقنا الستائر”.
منذ ذلك الحين، أخذ الزبائن يلغون حجوزاتهم لتناول العشاء في مطعمه، وعندما دخلنا بهو العشاء كان فارغا تماما. يقول باتيل إن هذا أمر غير معتاد في مطعمه الذي افتتحه قبل أربع سنوات والذي عادة ما يكون مكتظاً في مثل هذا الوقت.
كانت اضطرابات نهاية الأسبوع في ليستر ذروة توتر متزايد منذ عدة أسابيع بين المسلمين والهندوس في المدينة. ويقال إن كل شيء بدأ بعد مباراة كريكيت بين الهند وباكستان، في نهاية شهر أغسطس/آب المنصرم، ورغم أن مباريات الكريكيت بين الهند وباكستان غالبا ما تكون مشحونة سياسيا، إلا أن شيئا واحدا اتفق عليه كل من تحدثت إليه في المدينة وهو أن الأمر كان مختلفا في لعبة الكريكيت تلك.
هل فاقمت تلك المباراة التوترات الموجود أصلا؟ أم أنها كانت فرصة لدخول محرضين من الخارج؟ هذا هو محور الجدل الذي يدور حاليا.
ألقي القبض على 47 شخصا، عشرون منهم في نهاية ذلك الأسبوع، وحوكم البعض بتهمة حيازة أسلحة.
امتدت المواجهة لتصل إلى الإنترنت أيضا. وانتشرت مزاعم بالاعتداء على أشخاص بسبب دينهم، ورغم أن كثيرا من تلك المزاعم لم يتم التحقق منها بعد، ونفت الشرطة أحد تلك المزاعم على الاقل.
شجع أفراد الشرطة يوم الأربعاء، الناس على ألا يشاركوا على وسائل التواصل الاجتماعي مزيدا من الشائعات حتى يتم التحقق منها.
واستمعت محكمة ليستر الابتدائية لرجل يحاكم بسبب حيازة سكين. وقال المتهم إنه تأثر بوسائل التواصل الاجتماعي.
تُظهر اللقطات التي نشرها هندوس ومسلمون على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يُزعم أنها التقطت خلال الاضطرابات في الأسابيع القليلة الماضية، مجموعات من كلا الجانبين: رجال ملثمون يقرعون نوافذ البيوت في المناطق ذات الأغلبية الهندوسية ويسحبون قطع الديكور الدينية، في حين يظهر آخرون يسيرون في شوارع مأهولة غالبا بالمسلمين، وهم يرددون انشودة دينية تستخدمها اليوم جماعات الهندوس التي تنتمي لليمين المتطرف في الهند.
يُظهر أحد مقاطع الفيديو المنتشرة عبر الإنترنت رجلا يتسلق سطح معبد هندوسي، على طريق بلغريف، وينزل راية دينية. وفي مقطع فيديو آخر، شاركه أشخاص على صفحة المعبد على موقع فيسبوك، تشعل مجموعة من الرجال النار في أعلام المعبد.
يُزعم أن هذا المقطع صور خلال الاضطرابات التي حدثت ليلة السبت، ولايزال جو من الخوف يسود المنطقة حتى بعد أيام قليلة من عودة الهدوء إليها.
عندما زرت المعبد كان الباب مقفلا. فتحت امرأة الباب لي، ولكن ما أن عرّفت عن نفسي حتى قيل لي إنهم لا يتحدثون إلى الصحافة.
رأيت علما محترقا يتدلى من سور المعبد.
يقول كيشور شوهان، الذي يمتلك متجر ميلانز المقابل للمعبد، ويديره منذ 45 عاما، إنه لم ير شيئا كهذا في ليستر سابقاً.
ويقول: “لقد كان أمرا مخيفا جدا. هذه أول مرة نشهد فيها مثل هذا النوع من أعمال الشغب العرقية”.
منذ 45 عاما، افتتح كيشور شوهان متجر ميلانز، وعادة ما تكون المهرجانات الهندوسية موسماً جيداً له، لكنه يخشى أن تؤدي الاضطرابات إلى منع الناس من القدوم إلى المنطقة؛ علما أن مهرجان نافاراترا بدأ الاثنين ويستمر تسعة أيام، في حين يبدأ عيد ديوالي يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول.
ويقول: “بعيدا عن الخسارة المادية، إذا خشي الناس من خارج ليستر القدوم إلى هنا، فالمدينة ستفقد سحرها الذي كانت تتمتع به”.
الصراع بين أجزاء من المجتمعات الهندوسية والمسلمة أمر شائع في الهند، حيث توجد توترات قديمة.
شهدت السنوات الأخيرة تصاعد الاضطرابات الطائفية وجرائم الكراهية ضد الأقليات الدينية، وتخشى الأقليات وجماعات حقوق الإنسان من تفاقم المشكلة في ظل حكم حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي القومي.
ففي تقرير صدر العام الماضي، حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من أن الحزب ومنذ وصوله إلى السلطة عام 2014 “اتخذ إجراءات تشريعية مختلفة وغيرها من الإجراءات التي أضفت الشرعية على التمييز ضد الأقليات الدينية وعززت التعصّب القومي الهندوسي العنيف”.
في فبراير/شباط عام 2020، قُتل 53 شخصا في أعمال عنف طائفية في دلهي، وكان 40 منهم من المسلمين، وذلك بعد أسابيع من احتجاجهم السلمي ضد قانون الجنسية الجديد الذي قال المتظاهرون أنه يستهدف المسلمين.
وفي فبراير/شباط 2002، قُتل أكثر من 1000 شخص خلال ثلاثة أيام من أعمال الشغب في ولاية غوجرات الهندية، في واحدة من أسوأ أعمال العنف منذ الاستقلال.
لهذا أثيرت تساؤلات عن وجود أطراف خارجية متورطة في أعمال العنف هذه. وفقا لشرطة ليسترشاير فإن عددا كبيرا ممن ألقي القبض عليهم لم يكونوا من المدينة.
يوم الاثنين، قال رئيس الشرطة إنهم رأوا “مجموعة أشخاص من مدن أخرى يأتون إلى مدينتنا لإثارة الإضطرابات وتنفيذ إعتداءات”. ويتكهن بعض النشطاء بأن جماعات هندوسية قومية من الهند متورطة أيضا في هذه الأعمال.
إن العنف بين الهندوس والمسلمين أمر نادر للغاية في المملكة المتحدة، خاصة في مدينة ليستر المعروفة بتماسك نسيجها الاجتماعي. ولطالما كان هناك تضامن بين الهندوس والمسلمين في بريطانيا، باعتبارهم من الأقليات ويواجهون مشاكل متشابهة تتعلق بالعنصرية والتمييز ضدهم في بريطانيا.
وشدد على هذه النقطة قادة كلا المجتمعَين المحليين في بيان مشترك تُلي من على درج مسجد في المدينة.
وجاء في البيان: “عاش ابناء الديانتين في وئام في هذه المدينة الرائعة لأكثر من نصف قرن. وصلنا إلى هذه المدينة معا. واجهنا نفس التحديات معا. قاومنا معا الكارهين العنصريين، وجعلنا بشكل جماعي هذه المدينة منارة للتنوع والتماسك المجتمعي”.
وأضاف البيان: “الاعتداءات الجسدية على الأفراد الأبرياء والأضرار غير المبررة بالممتلكات ليست جزءا من مجتمع محترم، وفي الواقع هذا ليس جزءا من أدياننا. ما رأيناه لا يمثلنا”.
قالت لي ياسمين سُرتي، من اتحاد المنظمات الإسلامية في ليستر، أن جزءا من المشكلة هو “تقادم” الرأي القائل أن قادة المجتمع يتمتعون بنفوذ كبير بين مجتمعاتهم المحلية.
“نحن بحاجة إلى حوار، ومن الواضح أننا بحاجة إلى التفكير في كيفية وصولنا إلى هؤلاء الشباب البعيدين عن الاتصال بكبار السن في المساجد والمعابد”، كما تقول، مضيفة أنه سيكون هناك “أشياء كثيرة يجب تعلمها” في المستقبل.
وقال ماجد فريمان، وهو جامع تبرعات محلي لدعم قضايا الشرق الأوسط ، إنه غاضب مما يعتبره قصورا من جانب الشرطة. وقال إن كثيرين تساءلوا عن مدى استجابة الشرطة لاحتجاجات يوم السبت.
وكان رد رئيس الشرطة المحليّ بأن الشرطة “تعمل على الحفاظ على سلامتك واعتقال ومحاكمة أولئك الذين يتسببون بأضرار في مجتمعاتنا”.
بالعودة إلى صاحب المطعم جاي باتيل، فحتى في ذروة العنف، ظهرت ملامح من الوحدة التي تشتهر بها ليستر، كما يقول. فعندما حاصرت حشود من الرجال الملثمين مطعمه ليلة السبت، جاء زعيم الجالية المسلمة لمرافقة الزبائن وكان جلهم من الهندوس، ليغادروا بأمان.