“إنها تحترق” لإيرول أفشين: فعلٌ سينمائي ضد العنصرية

كتب: قيس قاسم

إنها تحترق” لإيرول أفشين: فعلٌ سينمائي ضد العنصرية

"إنّها تحترق": معالجة سينمائية مختلفة للعنصرية النازية الجديدة (الملف الصحافي)

يتكتّم التركي الألماني إيرول أفشين (1989) على الخلفية الحقيقية لقصّة فيلمه حتى لحظاته الأخيرة، رغبة منه في كتابة نص سينمائي، يذهب فيه إلى مناطق أبعد من وقائعها، إلى الفكرة الجوهرية الكامنة فيها: العنصرية وقوتها التدميرية  التي يكفي القليل منها لتحطيم دواخل البشر، وتهشيم استقرارهم، وربما إنهاء وجودهم.

لتجسيدها درامياً، يضع في مركز حبكتها طرفين: عائلة عربية مقيمة في ألمانيا، وفرانز (نيكولاس غارين). نقطة التقائهما الأولى حديقة عامة، جاءت الصيدلانية المحجّبة أمل (حليمة إلتر) مع ابنها أحمد (أمير تاسكن)، ليلعب فيها. تتّجه إلى أرجوحة من مقعدين، يقف إلى جانب أحدهما شاب ألماني، بينما صديقته تتأرجح في الثانية. تسأله الأمّ بأدب أنْ يُفسح المجال لولدها ليجلس على المقعد الشاغر، ويتأرجح. يردّ عليها بشتائم عنصرية ضد المسلمين. تهجّمه اللفظي السافر على شخصها يُثير حفيظة امرأة ألمانية، كانت تتمشّى مع صديقتها قرب الأرجوحة. خوفاً من تصعيد الموقف، تتّصل بالشرطة، وتنقل لهم وقائع ما سمعته ورأته.

من الحديقة إلى البيت، يتبدّل مسار الفيلم الألماني “إنها تحترق” (2023)، لنَقْل الأجواء الحميمية التي تعيشها أمل مع زوجها عمر (كيدا خضر رمضان). كلّ ما في البيت يشي باستقرار العائلة العربية، وتوافقها مع محيطها الألماني.

بوصول رسالة استدعاء الزوجة لحضور محاكمة فرانز، ينتقل الفيلم إلى القضاء، وفيه يجد صانعه فرصة مواتية ليُقدّم مرافعته ضد العنصرية والقضاء المتسامح معها. يريد تحويلها إلى مساحة يتخلّص فيها من شكلانيّات نقل المشهد العنصري الحاصل في أفلامٍ كثيرة، وإحلال مستوى آخر من المعالجة، أعمق، يُجسّدها باشتغال سينمائي يسرّب خوفاً إلى داخل المتفرّج عليه، من سلوك العنصري وأفكاره.

في كتابة أفشين (السيناريو له، كما الإخراج)، يظهر فرانز شابّاً يشبه غالبية الألمان: لا أوشام على جسده، ولا لباس يميّزه عن غيره. يعرف كيف يغيظ خصمه ويحتقره علناً، حتّى أمام القضاة. على دراية جيدة بالقوانين التي تحميه من العقوبة. من الشخصي، يطعن في القناعات الدينية للناس، وقِيَمهم الروحية. بخبثٍ يُجيّر الغضب الذي يثيره عند من يريد إيذاءهم، ويوجّه إليهم الإهانات، لصالحه. سلوكه مدروس، وخطابه يتناغم مع ميول عنصرية متستّرة، تُقرّ تفوّقاً للبيض والألمان على غيرهم من البشر، حتّى لو أصبح بعضهم جزءاً من نسيج مجتمعهم، وما عاد يصحّ وصفهم بالمهاجرين أو الغرباء. كعمر وأمل، المولودَين في ألمانيا، يولد ابنهما أيضاً فيها، وعلى أرضها ينتظران مجيء مولودهما الجديد.

*جميع المقالات المذكورة في الموقع تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المنظمة