الانتخابات التركية بين سندان السياسة ومطارق العنصرية
مازن شيخاني
شهد الصراع الانتخابي في تركيا مشاهد عديدة ، وعلت فيه الأصوات المتنافرة ، ينافس بعضها بعضا ، وتَوزَّع الناس أطيافا ، وراح كل طيف يرمي من كنانته بسهام ناطقة ، يدلل بها على منطقه ، ويفسر بروحها منهجه . كل مشهد من تلك المشاهد له قصة وحكاية ، وستنتهي بعد أن تبوح المرحلة بنتائجها، أو بعدها بفترة وجيزة . لكن مشهدا واحدا منها تجاوز قصة الانتخابات وفلسفتها ،
ولم يعد مقرونا بنتائجها وحسب ، ولن يغيب بنهاية الصراع ، كان صوت هذا المشهد هو الصوت الأعلى ، وله ضجيج ملأ الأسماع ، بل صار ميدانا للتنافس والاستحواذ ، بين أطراف متنوعة ، ينذر به من تصدر ليدير الحاضر، ويخطط للمستقبل ، وترفده شعاب متعرجة يمنة ويسرة . مشهد لم يعد يعبر عن مرحلة ممارسة للديمقراطية ، بل هو نقيضها ، ونقيض فلسفتها المؤسسة لها ،
هو في حقيقته رؤية تحمل بعدا تغيريّا بنيويا لإعادة بناء المجتمع ، ونسج نمطه الوجداني ، ووسم نبضه النفسي ، وتأسيس مرتكزاته الثقافية . مشهد قد أعلن عن نفسه كأنه الرعب نفسه ، ينذر بكرب عظيم ، وبلاء عميم ، إن لم يحاصر ويدفن في مهده . لم يعد الأمر مناكفة أحزاب ، بل إرهاصات تهديد وجودي ، لن ينجو من تبعاته أحد ، حتى من رسمه وصنعه وخطط له . لقد بدا كأنه يؤسس لعالم جديد بشع ، لبناته الكراهية والاستعلاء ،
والاستهانة بإنسانية الإنسان ، والتلذذ بهدر حقوقه ، وذبح كرامته ، على مذابح بشارات موهومة بحياة أفضل . حياة تُبنى على آلام الإنسان نساء وأطفالا وكهولا وعجائز ، لأن هذا الإنسان صاحب الألم ينتمي إلى نوع من الناس يراه صانع المشهد المقصود نوعا متدنيا ، لا يستحق الاحترام ، ولا الاهتمام ، ولا الرحمة ،
بل إن الرحمة بالحيوانات الأليفة من قطط وكلاب أولى ، لها مبرراتها الإنسانية في عرفه المريض وثقافته العنصرية ، فمن اعتدى على قط أو كلب تطاله العقوبة ، أما الاعتداء على إنسان وإهانته إن كان من النوع الأدنى كما يراه المقصود فالأصل في الأمر براءة المعتدي ، فلا يليق أن يحاسب الأعلى إن اعتدى على الأدنى . كيف يطمئن الناس أصحاب القضية والأمر وهم يرون براءة الأطفال تذبح وتنتهك على جدران المدارس ، أطفال هرب بهم أهلهم من الموت ، يرون لافتات كلها عنصرية وكراهية ضدهم كأطفال ، على أعين الناس ، ولا أحد يعترض ، المدارس التي أسست للتربية والعلم لتكون رافعة التقدم تصبح مذبحا للكرامة،
ومصدر قهر للطفولة البريئة ، والمربون والمجتمع وأصحاب الأمر لا يعترضون . لافتات تنبض بالعنف والكراهية والعنصرية تحت ظلال الديمقراطية يراها المستضعف تلاحقه في الطرقات ، وتمر الجريمة ولا تحرك في المجتمع ساكنا إلا ما ندر . إن الحاضر يخاطب كل من ركب مركب العنصرية ، وانتشى بخطاب الكراهية ، وأيضايخاطب من لم يكترث ، أنقذوا إنسانيتكم ، وأنقذوا أنفسكم ، وأنقذوا حاضركم ، وإلا فإن المستقبل لن يرحم من يدير حاضره ويخطط لمستقبله بهدر الحقوق ، والاعتداء على الكرامة الإنسانية ،وانتهاك براءة الأطفال ، وإرعاب النساء والعجائز ،
ممن لجأ ليحفظ حياته ، من قاتل لم يعرف التاريخ المعاصر نظيرا له أو مشابها ، والتاريخ القريب والبعيد خير شاهد على عواقب العنصرية على العنصري ، وعلى من صمت عليها ، وإن لم يكن عنصريا أو كارها ، فسيدفع أثمانها مع من أرساها ،
لأن الفتنة إن حضرت فلن تميز بين الفريقين . أوقفوا وحش الكراهية والعنصرية ، لأنه لن يقف عند المستضعف اللاجئ ، فشهيته المريضة ستطالكم ، ولو بعد حين ، فإن عقال العنصرية إن حلت عقده فهيهات أن يملك أحد عقدها مرة أخرى ، إلا بعد أن ينتشر الخراب ، ويعم الدمار ، ولات ساعة مندم