يعتقد أن فكرة الخطايا المميتة (أو الكبائر) نشأت من خلال أفكار حركة مسيحية من القرون الأولى بعد مجيء المسيح تُعرف باسم حركة “الآباء الصحراويين”، من بينهم الأب ايفاغريوس يونتيكوس Evagrius Ponticu، الزاهد من القرن الرابع ميلادي. لقد حدد يونتيكوس ثمانية أفكار أو أرواح شريرة يحتاج المرء للتغلب عليها من أجل تحقيق تقدم روحي وتجنب البؤس والشقاء.
تم ترجمة هذه القائمة إلى اللاتينية، وفي ٥٩٠ ميلادية، قام البابا جريجوري بمراجعتها واعتمادها على أنها الخطايا السبعة الكنسيّة المعروفة عالميا اليوم على النحو التالي “الكبرياء” و”الجشع” و”الشهوة” و”الحسد” و”الشراهة” و”الغضب” و”الكسل”!
من بين كل هذه، ركز قادة الكنائس اللاحقين بشكل خاص على الكبرياء باعتبارها أصل الخطايا الأخرى. كما كتب القديس أوغسطين: “كانت الكبرياء هي ما حوّل الملائكة إلى شياطين”. لاحقاً، وصف المؤلف الإنجليزي سي. إس. لويس الكبرياء على أنها “الرذيلة الأساسية، والشرّ المطلق” ، قائلا إن الغرور المفرط والغطرسة يمنعان التواضع المطلوب للخلاص.
قد لا يستخدم علم النفس الحديث مثل هذه اللغة العاطفية والدراماتيكية. لكن من المؤكد أن موضوع الكبرياء يعتبر أمرا مثيرا للمشاكل. على سبيل المثال، يمكن للإفراط في الإعجاب بالنفس أن يدفع الأشخاص إلى القيام بأشياء تتجاوز قدراتهم – مما قد يؤدي إلى الفشل. قد تكون هذه النتيجة ضارة بشكل خاص إذا كان تقدير الذات لدى المرء يعتمد على تأكيدات الغير وتحقيق هذه الأهداف.
والأمر الأكثر خطورة، هو أن الكبرياء يمكن أن تنطوي على صفات سيئة أخرى، مثل النرجسية، التي ترتبط بالتصرف العدواني – خاصة عندما يكون الإعجاب المفرط بالذات محل تشكيك من قبل الآخرين.
الكبرياء الجماعي وكرة القدم
كما يمكن أن يكون الكبرياء ظاهرة جماعية، حيث يختبرها الفرد نيابة عن المجموعة التي ينتمي إليها. على الرغم من أن هذا يمكن أن يكون شيئا إيجابيا في بعض الأحيان، إلا أنه من المحتمل أن يكون له مظاهر مضرّة. وتشمل هذه النرجسية العدوانية الجماعية، واعتقاد عاطفي غير واقعي حول عظمة تلك المجموعة. كما أن المودة تجاه أعضاء المجموعة قد تترافق مع الكراهية تجاه من هم خارجها – أحيانًا مع عواقب عدائية وعدوانية وحتى عنيفة. في الواقع، إن تاريخ البشرية هو سرد مأساوي لهذه التفاعلات، وعلينا فقط النظر الى أي حرب أو صراع كبير لترى تأثيرها المدمر بوضوح.
هنا تأتي كرة القدم. لقد ألقت الكبرياء بظلال قاتمة على هذه الرياضة أيضًا. مثلا، شهد المشهد الكروي في إنجلترا أعمال عنيفة للغاية من قبل ما يسمى بـ “الهوليغانز” أو المشاغبين. بعد كارثة ملعب هيسل المأساوية في مايو 1985، والتي قتل فيها 39 شخصًا وأصيب 600 خلال نهائي كأس أوروبا بين ليفربول ويوفنتوس، تم حظر الأندية الإنجليزية من المنافسات الأوروبية لمدة خمس سنوات. وعلى الرغم من تحسن سلوك معظم المشجعين بشكل عام، إلا أن العديد من الفرق الوطنية ما زالت تجتذب أشكالًا قاتمة من التعصب القومي والعدوان الى يومنا هذا.
إنه غني عن القول أن العداء والعنف يجب ألا يكون لهما مكان في كرة القدم، لكن هل كل أشكال الكبرياء هي فعلا سيئة؟
على المستوى الفردي، فإنه في حين أن تضخيم الذات النرجسي قد يكون ضارًا، فإن فائدة الصفات مثل احترام الذات والثقة بالذات معروفة على نطاق واسع. وعلى المستوى الجماعي، تظهر حركات حقوقية عديدة أن التمسك بالكبرياء الجماعي يمكن له أن يكون إيجابياً واحتفائياً دون مهاجمة الآخرين. في هذا الصدد، ربما نحتاج إلى طريقة للتمييز بين أشكال الكبرياء السيئة وتلك الإيجابية.
في هذا الصدد، ربما يكون من المفيد تطوير مصطلحات أكثر دقّة للتمييز بين هذه الأنواع من الكبرياء. وهناك بالفعل جهود جارية في علم النفس لتحقيق هذه الغاية.
خذ مثلا الكلمة الإيطالية “fiero”، وهي واحدة من تلك المصطلحات الرائعة التي لا يمكن ترجمتها والتي تفتقر إلى المرادف الدقيق في اللغة الإنجليزية (المترجم: تقاربها في العربية كلمة الاعتزاز). هذه الكلمة هي احدى المصطلحات الايجابية الجميلة، خاصة لأنها ترتبط بالخير والرفاه. كما تساعد مثل هذه المفاهيم بكشف الظواهر التي تم تجاهلها أو عدم تقديرها داخل ثقافتها ولغتها.
ففي اللغة الإيطالية، فييرو قد تعني أيضا الكبرياء، لكن بحسب إيزابيلا بوغي، أخصائية علم النفس الإيطالية، فإن المصطلح يستخدم لوصف نوع معين من الشعور بالفخر، حيث يكون له ما يبرره ويجعله مستحق، غالبًا بسبب انتصار الشخص على الشدائد.
ونتيجة لذلك، أدرج المنظر المؤثر بول إيكمان “فييرو” في كتابه “أطلس العواطف” ، حيث وصفه بأنه “الشعور بالرضا بعد مواجهة تحدّ يعزّز من قوة المرء”، ويستخدمه بدلا من مصطلح “الكبرياء/الفخر” المعقّد والحمّال للأوجه السلبية والإيجابية، من أجل توصيف هذا الشعور الإيجابي.