ظاهرة العنصرية ضد السود والأقلية المسلمة في المساجد الغربية

التمييز العرقي في الغرب

الكاتب: د. عبد العزيز غي

يمثل مقتل المواطن الأميركي من أصل أفريقي جورج فلويد على يد شرطة مدينة مينيابوليس في 25 مايو/أيار الماضي نوعا من العنصرية العنيفة التي غذتها جائحة ادعاء استعلاء البيض وتفوقهم على الأعراق الأخرى والتي انتشرت بشكل ملحوظ منذ أن تولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد راحت ضحية هذه العنصرية الكثير من الأمريكان الأفارقة. وهناك أصناف أخرى من العنصرية في الغرب كالتمييز السلبي بسبب الدين وغيره لكنني أركز في هذا المقال على شكل قلما يُتَفوَّه بها بسبب حساسيته لوقوعه داخل الجاليات المسلمة في الغرب ألا وهو معاناة المسلمين السود والأقلية المسلمة المنتمية إلى أجناس أخرى، بمن فيهم البيض، داخل المساجد في أوروبا وأمريكا الشمالية. وأعتمد في هذه السطور على تجربتي الشخصية حيث عشت أكثر من عقد في أوروبا وأكثر من سبع سنوات بين كندا والولايات المتحدة الأمريكية.

لفهم معاناة هؤلاء القوم داخل دور العبادة في الغرب لابد من الالمام بأمرين:

الأمر الأول: هو أن المساجد والمراكز الاسلامية في الغرب تمثل تقريبا المكان الوحيد الذي يمكن أن تستخدمه الجالية المسلمة لعقد الأنشطة ذات الطابع الديني لأن كثيرا من الدول الغربية، لا سيما الأوروبية، تحذر إقامة أي نشاط ديني خارج دور العبادة بسبب انتهاجها العلمانية المتطرفة التي تحصر الشأن الديني في المساجد والكنائس والصوامع والبيع وبالتالي فيصعب على المسلمين إقامة حفلات أو محاضرات ذات صبغة دينية خارج بيوت الله.

والأمر الثاني: هو أن المساجد والمراكز الاسلامية في الغرب لا تقتصر دورها على إقامة صلاة الجماعة والجمعة فقط بل تقوم بأدوار اجتماعية وتثقيفية وأحيانا اقتصادية على غرار الكنائس والمعابد في الغرب ولذلك قد تضم المراكز الاسلامية والمساجد مصلى وصالات اجتماع وغيرها إذ إنها المكان الأنسب للجالية المسلمة لاستفسار في شؤون الدين والاجتماع في أيام العيد وفي ساعات الإفطار خلال شهر رمضان وفي مناسبات عقد النكاح وغيرها كما توفر المساجد لأطفال المسلمين فرصة دراسة أمور دينهم عبر دروس وحلقات تحفيظ قرآن أسبوعية.

نظريا يجب أن تجسد المراكز الاسلامية والمساجد في الغرب رسالة الاسلام في التعددية الثقافية والعرقية واللغوية حيث يجب أن يشارك المسلمون وأطفالهم على اختلاف أعراقهم في جميع أنشطتها لكن الواقع مختلف تماما حيث تتلون معظم بيوت الله بعرق معين يحتكر إدارة المسجد وإمامته وجميع الانشطة الدينية والاجتماعية والتربوية داخله وقد تُلقى خطب الجمعة بلغة هذه الجالية فقط. وبديهي جدا في الغرب أن تُنسَب مسجد بعرق معين كالمسجد الباكستاني أو التركي أو البوسني أو العربي. وهذه الظاهرة نفّرت الكثير من السود والأقلية المسلمة، لا سيما حديثي الاسلام على اختلاف أعراقهم، من هذه المساجد لعدم تلقّيهم الترحيب المناسب فيها حيث يصعب أيضا على أطفالهم الاندماج والدراسة مع أبناء الجالية التي تهيمن على المسجد وكافة أنشطتها وبالتالي يصبح معظم المأمومين من جالية معينة حتى ولو لم تكن لها الأغلبية في تلك البقعة الجغرافية وحتى ولو كانت هذه المساجد مفتوحة للجميع لصلاة الجماعة فقط وهذا لا يكفي لما سبق ذكره.

أتذكر معاناة أخ مسلم من أصل أفريقي ومستعرب همس في أذني قبل عشرين سنة في سويسرا بعدم تقبله في المسجد الجامع الذي كان يرتاده والذي كان يهيمن عليه عرب مغاربة وتمنى لو وجد مسجدا لبني جلدته! وأتذكر طلابا أفارقة مسلمين في فرنسا رفضت المساجد التي كانوا يرتادونها باستضافة أنشطتهم الدينية داخلها وأخيرا استضافتهم كنيسة فأصبحوا يقيمون جميع أنشطتهم الدينية فيها! وفي هذا العام تلقيت مكالمة هاتفية من أخ كندي ذي أصول أفريقية يخبرني فيها بقرار انقطاعه عن المسجد الذي كان يصلي فيه بسبب التمييز العرقي!

من ناحية أخرى يعاني الكثير من المسلمين الجدد من بيض وسود وأصفر وغيرهم من ظاهرة الترحيب البارد جدا داخل دور العبادة والمراكز الاسلامية في أمريكا الشمالية فبعضهم قد يقود سيارته عدة أميال لارتياد المساجد التي تفتح القائمون بها قلوبهم ووجوههم لهم. وخطورة هذا الصنف من العنصرية تكمن في أنها قد سببت ارتداد بعض هؤلاء الإخوة عن الاسلام بعدما اصطدموا بهذه الحقيقة المُرّة. إن الكثير منهم قد اعتنقوا الاسلام لأجل سماحة هذا الدين الذي يدعو إلى الأخوة الاسلامية والذي لا فضل فيه لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي إلا بالتقوى لكنهم يصطدمون بالهوة بين هذا المبادئ الرفيعة وبين ممارسات الجاليات المسلمة السلبية تجاههم .علاوة على ذلك فالكثير من حديثي الاسلام قد فقدوا محيطهم الاجتماعي السابق من أصدقاء وبعض أفراد أُسَر بسبب اعتناقهم الاسلام ثم بعد ذلك لا يجدون ترحيبا في بيئتهم الاسلامية الجديدة وهذا ما لا يتحمله الكثير منهم مما يدفع البعض إلى ترك الاسلام والرجوع إلى بيئتهم الاجتماعية الأولى!

أسباب التمييز العرقي في دور العبادة في الغرب

السبب الأول هو طبيعة عيش المسلمين في الغرب خاصة في بريطانيا وكندا والولايات المتحدة حيث يعيشون في شكل جاليات كالهندية والباكستانية والبنغالية والعربية وغيرها وبالتالي قد يقيم كل جالية مسجدا وهذه حقيقة يصعب الانفكاك عنها لكن المشكلة تكمن في أن معظم هذه المساجد تصطبغ كليا بهذه الجالية بصورة إرادية ولاإرادية. والكثير من هذه المساجد قد تستورد إماما من الموطن الأصلي لهذه الجالية بدلا من إمام محلي يعرف المجتمع الغربي وتعقيداته ويتقن اللغة الرسمية التي يفهمها غالبية المأمومين وما يتبع ذلك من التمييز العرقي داخل بيوت الله هذه والتي تروح ضحيتها الأقلية العرقية المسلمة في ذلك المكان.

والسبب الآخر هو أن الكثير من المراكز الإسلامية في الغرب تمت تشييدها من قبل الجمعيات الخيرية العربية وتم توكيل إدارتها للعرب فقط حيث يكون جميع أعضاء الإدارة من هذه القومية وإن كانوا أقلية في البقعة التي يقع فيها المسجد وغالبا ما يُعَرِّبون جميع أنشطة المسجد وقد تُلقى خطب الجمعة والأنشطة الثقافية فيها باللغة العربية فقط حتى ولو يفهمها غالبية المأمومين والحضور. وهذه الظاهرة طردت الكثير من المسلمين الأعاجم وحديثي الاسلام من هذه المساجد المستعربة كليا.

ودور العبادة النادرة التي لا تميز بين الأعراق هي المساجد والزوايا الصوفية التي رغم قلة إمكانياتها تستضيف جميع المسلمين في أنشتطها وترحّبهم ترحيبا حارا دون تمييزهم على أساس العرق أو اللغة أو اللون، وهذه المراكز الصوفية معروفة بالتنوع العرقي في روادها والقائمين على إدارتها بل وتنتشر فيها ظاهرة الزواج المختلط بين مختلف الأعراق.

حل مشكلة التمييز العرقي داخل بيوت الله في الغرب

أولا تنويع أعضاء إدارة المراكز الاسلامية وأنشطتها ليمثل الأعضاء غالبية الجاليات المسلمة المقيمة في المدن الغربية بدلا من أن تكون أعضاؤها من جالية واحدة فقط لأن إدماج جميع أفراد الجاليات المسلمة في تسيير المراكز الاسلامية يشعر الأقلية بأنها مرحبة فيها، وكذلك يجب إتاحة الفرصة لهم ولأبنائهم بالمشاركة وإقامة الأنشطة الثقافية والتربوية والاجتماعية وغيرها. وهذا يساعد دور العبادة في أداء مهمتها الحقيقية حيث تلم إلماما تاما بمشاكل كل جالية مسلمة وطرق علاجها، وهذا أيضا له مردود إيجابي على صورة الجالية المسلمة في الغرب حيث إن الوحدة في التنوع العرقي يكسبها أهمية خاصة من قبل السلطات المحلية والحكومية الغربية وبالتالي فلا يترددون في حل مشاكلهم.

والأمر الآخر هو أنه لا بد من إيجاد فرع في كل مركز إسلامي أو مسجد يتولى شؤون الأقلية المسلمة لاسيما المسلمين الجدد لأن الكثير من هؤلاء يقعون بين مطرقة أسرهم بسبب اعتناقهم الاسلام وسندان جفوة الجالية المسلمة تجاههم. وقد عاينت ذلك كثيرا في أوروبا وكندا وأمريكا. والمثال الأخير طالبة من مدينة نيويورك أسلمت وضايقتها أسرتها لإرغامها على الردة من الاسلام فأبت واختارت الدراسة في مدينة أخرى للفرار من هذه الضغوط، لكن أثناء دراستها لم تتلق دعما ذا بال من مراكز الجاليات الاسلامية المحلية لأنها لا تنتمي عرقيا إلى أي منها. أثناء الإجازات الصيفية وبعد إغلاق السكن الجامعي كانت غير قادرة على الرجوع إلى أسرتها كسائر الطلاب فقد كانت جامعتها توفر لها غرفة بصورة استثنائية في السكن الجامعي في الصيف طول مدة دراستها، وبعد انتهاء دراستها هذا العام غادرت السكن الجامعي للعودة مباشرة إلى بيت أسرتها لمواجهة الضغوط العائلية لمحو عقيدتها، وكان من الأولى للجالية المسلمة عبر مراكزها المحلية المتعددة أن توفر لها سكنا على الأقل بعد تخرجها حتى تستقل ماديا أو أن تحاول إصلاح العلاقة بينها وبين أسرتها.

هكذا تتعذب الأقلية المسلمة بصمت داخل الجاليات المسلمة في الغرب وهكذا تسبب الطريقة الخاطئة في إدارة المساجد والمراكز الاسلامية في تفريق المسلمين على أساس العرق واللغة واللون أكثر ما تفرقهم توجهاتهم الفكرية.

 

المصدر: موقع الجزيرة نت https://www.aljazeera.net/

*جميع المقالات المذكورة في الموقع تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المنظمة