محمود علوش
تركيا بدأت بتحركات قضائية لمكافحة ظاهرة العنصرية المتنامية ضد الأجانب
تسعى السلطات التركية إلى كبح جماح ظاهرة الكراهية للأجانب في البلاد، والتي بدأت تنمو بشكل متزايد في السنوات الأخيرة. وذكرت وسائل إعلام محلية، الثلاثاء، أن السلطات اعتقلت سبعة وعشرين شخصاً، بينهم مديرو مواقع إلكترونية وحسابات بارزة على وسائل التواصل الاجتماعي، بتهمة التحريض على الكراهية ضد الأجانب. وقال مكتب المدعي العام في أنقرة إنه فَتحَ تحقيقاً ضد المشتبه بهم في تهم “تحريض الجمهور علناً على الكراهية والعداء ونشر معلومات مضللة”.
ويُعدّ هذا أول تحرك قضائي تقوم به السلطات من أجل مواجهة ظاهرة الكراهية ضد الأجانب، في بلد يستضيف ما يقرب من خمسة ملايين أجنبي، بينهم أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ سوري، ويُعدّ وجهة رئيسية سنوية للكثير من السياح من مختلف دول العالم، ما يُهدد بفقدان مورد مالي مهم تشتد حاجة البلاد إليه في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها.
هناك من يرى أن انفتاح تركيا في عهد أردوغان على العالمين العربي والإسلامي يتناقض مع الجمهورية العلمانية التي أسسها أتاتورك.
إن تصاعد ظاهرة العنصرية في تركيا يتركز بشكل أساسي على العرب واللاجئين من سوريا ودول عربية وأفغانستان، ولم تعد تقتصر على خطاب الكراهية فحسب، بل أدت إلى تزايد حوادث الاعتداء بدافع عنصري. هذا الشهر، تعرّضَ سائح كويتي للضرب المبرح في مدينة طرابزون، التي تُعدّ مقصداً أساسياً للسياح العرب والخليجيين. كما ارتفعت وتيرة خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين بشكل كبير، منذ ما قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أجرتها تركيا في مايو أيار الماضي، وفاز بها الرئيس رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية ثالثة. وفي حين أن العنصرية المتزايدة ضد اللاجئين السوريين مدفوعة عموماً بالنقمة المتزايدة في الشارع التركي على الوجود السوري في البلاد، والتي تغذّت أيضاً من خطاب أحزاب المعارضة التي سَعَتْ لتوظيف قضية اللاجئين من أجل تحسين فرص فوزها في الانتخابات السابقة، فإن ظاهرة الكراهية للعرب تستمد قوتها في الغالب من أسباب سياسية عميقة، حيث يرى من يدعمها أن انفتاح تركيا في ظل عهد أردوغان على العالمين العربي والإسلامي يتناقض مع الجمهورية العلمانية التي أسسها الراحل مصطفى كمال أتاتورك، والتي قطعت روابطها الثقافية والدينية مع السلطنة العثمانية.
رغم ذلك، لا يحظى خطاب الكراهية بانتشار واسع بين الأتراك، الذين هم في غالبيتهم محافظون، ويرون أن الانفتاح على العالمين العربي والإسلامي امتدادٌ طبيعي لتاريخ تركيا. كما أن الأحزاب السياسية التي تتبنى خطاب الكراهية ضد العرب واللاجئين لا تحظى بتأييد شعبي واسع عموماً، رغم أنها تعمل على استقطاب المزيد من المؤيدين في الآونة الأخيرة بفعل تردي الأوضاع الاقتصادية. من بين هذه الأحزاب حزب النصر المعادي بشدة للاجئين السوريين، والذي لم يتمكّن في الانتخابات الأخيرة، في مايو، من الحصول سوى على ما يقرب من اثنين ونصف في المئة من أصوات الناخبين. مع ذلك، بدأت أحزاب معارضة رئيسية، مثل حزب الشعب الجمهوري العلماني، في تبنّي خطاب متشدد ضد اللاجئين، من خلال المطالبة بترحيلهم إلى بلدانهم.
مع اقتراب تركيا من انتخابات محلية عالية المخاطر ستُجرى في مارس آذار العام المقبل، فإن وتيرة خطاب الكراهية ضد الاجانب سترتفع. وفي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى كبح جماح هذه الظاهرة، فإن أحزاب المعارضة تسعى لتوظيفها من أجل زيادة الضغط الشعبي على التحالف الحاكم قبل الانتخابات المقبلة. حاولت زعيمة حزب “الجيد” القومي اليميني ميرال أكشنار استقطاب الفئات المعارضة لوجود اللاجئين من خلال انتقاد حملة الاعتقالات التي قامت بها السلطات ضد الناشطين والصحفيين المتهمين بالتحريض على الكراهية. وقالت أكشنار إن حل قضية اللاجئين “لا يمكن أن يتحقق عن طريق قمع رد الفعل المبرر لشعبنا وإسكات واعتقال أولئك الذين يطرحون القضية على جدول الأعمال”.
مع أن حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان تجنّبت، منذ فترة ما قبل انتخابات مايو، التحرك بحزم لمواجهة خطاب الكراهية ضد الأجانب عموماً واللاجئين، لاعتبارات انتخابية في الغالب، إلآّ أن اتساع ظاهرة العنصرية يعمل على ضرب صورة تركيا كبلد منفتح على استضافة اللاجئين الفارين من الصراعات والحروب التي تعصف ببلادهم، وكبلد آمن للسياح، لا سيما أولئك القادمين من بلدان عربية. في الربع الأول من العام الجاري فقط، استقطبت تركيا أكثر من أحد عشر مليون سائح، وفق إحصاء نشرتْه وكالة “الأناضول” الحكومية في وقت سابق.
اتساع ظاهرة العنصرية يعمل على ضرب صورة تركيا كبلد منفتح على استضافة اللاجئين الفارين من الصراعات والحروب التي تعصف ببلادهم، وكبلد آمن للسياح.
كما توافَدَ مئات آلاف السياح من دول الخليج العربي، في الأشهر الأخيرة، لقضاء عطلة الصيف في تركيا، ما ساعد الحكومة في الحصول على موارد مالية كبيرة بالعملة الصعبة، وهي ضرورية في الإستراتيجية الاقتصادية الجديدة للحكومة للحدّ من تدهور سعر الليرة، وكبح جماح التضخم المرتفع. لكنّ ظاهرة الكراهية ضد العرب قلّصت من هذه الموارد هذا العام. تقول صحيفة “تركيا الجديدة” إن خسائر قطاع السياحة في تركيا، جرّاء حملة الكراهية ضد العرب سجّلت، في الشهرين الأخيرين من هذا العام، ما يقرب من مليار دولار أمريكي. وأضافت أن “بعض رؤوس الأموال العربية بدأت التفكير في البدء بإجراءات لسحب استثماراتها من تركيا” بسبب العنصرية.
بالتوازي مع الحملة الجديدة لمكافحة خطاب الكراهية، تعمل الحكومة التركية على الحدّ من ظاهرة الهجرة غير القانونية في البلاد. وقال وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا، في 13 سبتمبر أيلول الجاري، إن السلطات اعتقلت، خلال حملة مكافحة الهجرة غير النظامية، التي بدأتها بعد انتخابات مايو، 75 ألف مهاجر غير نظامي، ورحّلت ما يزيد عن 32 ألفاً منهم إلى بلدانهم.
قد تُساعد هذه الإجراءات “حزب العدالة والتنمية” الحاكم في استقطاب الأصوات الناقمة على المهاجرين، وتعزيز فرص استعادته للبلديات الكبرى التي تديرها المعارضة في انتخابات مارس المقبلة، خصوصاً مدينة إسطنبول التي يتواجد فيها عددٌ كبير من اللاجئين السوريين والمهاجرين الأجانب غير النظاميين، وفق تقديرات حكومية.
لا يزال التحدي الأكبر الذي يواجه أردوغان، في الوقت الراهن، يتمثّل في تنفيذ وعده الانتخابي في إعادة جزء كبير من اللاجئين السوريين إلى بلدهم بموجب العودة الطوعية، وهو أمر صعب المنال في ظل الانسداد الذي تواجهه المفاوضات بين أنقرة والنظام السوري، والتي تسعى تركيا من خلالها إلى توفير الأرضية المناسبة لإعادة هؤلاء اللاجئين في المستقبل المنظور.