28.04.2022

الكاتب: حسام شاكر

قد تغفل الأطراف في النطاق المجتمعي الواحد والبيئة الإنسانية المشتركة عن مسؤولياتها في مواجهة حمّى الاحتقار والازدراء ودعاية الأحقاد والكراهية، التي تستهدف شركاء المجتمع أو الأمّة أو الإنسانية، وقد لا تُدرِك ما تفعله هذه الحمّى حتى بالمجتمعات أو الأوساط التي تصدر عنها إن لم تتداعَ لاستنكار الممارسات والخطابات الشائنة التي يقوم بها من يثيرون الأحقاد والكراهية بأشكال سافرة أو مُستترة.

لا غنى عن قول الحقّ والتزام العدل في مواجهة حمى التشويه والتحريض ووقف تمدّدها، فهذه شجاعة أدبية مطلوبة من الأفراد والتجمّعات والمؤسسات والمجتمعات ككلّ لأجل الصدّ التلقائي لهذه الحالة السقيمة ومواجهتها في مهدها قبل أن تتفاقم وتخرج عن السيطرة؛ فتستولي على ثقافة المجتمع، وتسطو على المنابر الدينية، وتوجِّه الحياة السياسية وتتحكّم بالمواسم الانتخابية.

ينبغي الحذر من تحوّل حمّى التشويه والتحريض إلى ثقافة عامّة، وحرمانها من فرصة تثبيت أقدامها في مواقع مجتمعية متقدِّمة بحيث تستشري ويتسع تأثيرها وتؤول إلى متلازمة مزمنة يصعب احتواؤها أو التخفيف من عواقبها الوخيمة على المجتمع ومنظومته القيمية. إنّ النزعات البغيضة، مع ما قد يترتّب عليها من رِدّة قيمية وإشاعة مفاهيم مضلِّلة وهواجس ساذجة وشقّ صفوف المجتمعات وصرف الأنظار بعيداً عن التحدِّيات المشتركة؛ تتطلّب من المجتمعات بشتّى مكوِّناتها، أن تتصدّى لها وتتعامل مع مظاهرها وبواعثها وجذورها.

والواقع أنّ دعاوى الكراهية التي تتأجّج في المنصّات وتتفاعل في الشبكات الاجتماعية مستعملة شعارات تحريضية واستفزازية ضد شركاء المجتمع والأمّة والإنسانية؛ قابلة لأن تتطوّر إلى أشكال متعدِّدة من الممارسات العدوانية والتجاوزات التمييزية في الواقع، علاوة على الحطّ من الكرامة الإنسانية للمُستهدَفين بها، واستفزازهم وترهيبهم والتضييق على حياتهم اليومية، وبثّ الضغائن وتقويض الالتزام بالقيم المرجعية.

غنيّ عن البيان أنّ في إشاعة البغضاء وشحن المجتمعات تشجيعاً، مباشراً أو غير مباشر، على سنّ تشريعات أو اتخاذ إجراءات من شأنها أن تُقيِّد الحرية الدينية والشخصية والحقوق العامّة والخاصّة، فينتهي المشهد إلى مجتمعات لا يتساوى فيها المواطنون ولا تتكافأ فيها الفرص ولا تتماسك فيها المكوِّنات في التعامل مع التحدِّيات المشتركة، وقد يجري هذا التدهور تحت شعارات الديمقراطية أحياناً. قد تتخلّل العمل السياسي، خاصّة في المواسم الانتخابية، إثارة أحقاد وبثّ هواجس ساذجة ونشر هلع غير واقعي واستهداف شركاء المواطنة وإساءة بغيضة إلى خصوصيّات بعض مكوِّنات المجتمع، فتُستعمَل الديمقراطية بوّابة للتشويه وذريعة للتحريض وإثارة المواطنين بعضهم ضد بعض، وشقّ صفوف المجتمع لأهداف تصويتية أو إعلامية رخيصة.

وقد تُتّخذ قيم نبيلة في أصلها، مثل حرية التعبير، ستاراً زائفاً لازدراء أديان أو تدنيس مقدّسات أو تشويه ثقافات، أو غطاء لممارسة التحريض العنصري، أو بثّ خطاب الكراهية وإشاعة الأحقاد، والإساءة إلى مشاعر أتباع أديان أو ثقافات معيّنة. يقتضي هذا المنحى الذي يُستعمَل بأشكال فجّة مع الإسلام والمسلمين بصفة خاصّة، أن ينهض قادة الرأي والشخصيات العامة والقيادات الدينية والمفكرون والمثقفون والفنانون والأدباء وغيرهم بمسؤولياتهم المضاعفة في إنعاش القيم المبدئية والحسّ النقدي في المجتمعات، ومحاصرة اتجاهات الكراهية والتشويه والعنصرية والردّة القيمية بكل أشكالها، وتعزيز الوعي بالمشترك المجتمعي والإنساني في مواجهة الأصوات والمواقف التي تتكسّب من إشاعة الخصام والأحقاد والصراعات في الفضاء الإنساني.

لا تتيسّر الوقاية من الانجراف الأعمى دون توعية دؤوبة، وتعزيز قدرة الأجيال الجديدة على التفاهم والاحترام المتبادل، ومعالجة القوالب النمطية الساذجة والأحكام المسبقة بحقّ مكوِّنات معيّنة، والحذر من إلصاق وصمة تعميمية كريهة بمكوِّنات مجتمعية أو شرائح وفئات بعينها أو أحياء ومناطق بصفة مخصوصة، فمكافحة العنصرية والكراهية والتعصّب الإثني والثقافي والطائفي ينبغي أن تكون عملية مستمرّة وليست تدخُّلاً مؤقتاً.

ولا يصحّ التنصّل من المسؤوليّات القيمية والالتزامات المبدئية بحجّة ظروف استثنائية أو مواقف صعبة تدهم بعض المجتمعات والأمم، أو بذريعة صدمات وهزّات قد تطرأ، كأن يجري تعميم الأوزار وتحميل فئة مجتمعية معيّنة أو منتسبي طائفة مخصوصة أو ثقافة ما جريرة سياسات جائرة أو ممارسات عنف واعتداء، أو دمغهم بوصمة الاشتباه الجائر، أو تقليص حرِّيّاتهم العامّة والشخصية. ثمّ إنّ الردّ الأمثل على ممارسات العنف العدواني وخطابات الكراهية وأصوات التطرّف لا ينبغي له أن ينصرف عن الحاجة إلى تعزيز التضامن والانفتاح، وصيانة القيم المرجعية والكرامة الإنسانية والمبادئ الدستورية، ودعم الوفاق وتعزيز الاحترام المتبادل، وإشاعة التضامن والتماسك في المجتمعات.

تفرض الأزمات الحادّة والأحداث الداهمة التزاماتٍ إضافية على المسؤولين والمعلِّقين ووسائل الإعلام والخطباء والناشطين الشبكيين، على نحو يستدعي التحلِّي بالمسؤولية والحكمة في تناول التطوّرات المتعدِّدة. لا يصحّ أن تمنح بعض المواقف والتصريحات والأغلفة والتقارير والتغطيات والتعليقات ورسوم الكاريكاتير والمقاطع المرئية انطباعاً بمسؤولية منتسبي دين معيّن أو ثقافة ما عن اعتداءات أو جرائم أو انتهاكات، فهذا ينطوي على تعميم الاشتباه أو على تحريض سافر أو مبطّن سيكون له ما بعده على مستوى الخطابات والممارسات وردود الأفعال. فمن غير الإنصاف تحميل مكوِّن مجتمعي أو إنساني مسؤولية ممارسات خاطئة لمجرد أنّ مقترفيها ينتسبون إلى هذا المكوِّن أو يتذرّعون بمرجعيّاته الدينية أو الثقافية في تبرير أعمالهم، وينبغي التحذير من الانجرار إلى ردود أفعال عمياء ردّاً على ذلك.

ومِن المحرِّضين مَن يخرجون على الملأ من مواقع الفكر والبحث، أو ينتحلون صفات العِلم والخبرة، أو يظهرون بين مشاهير الشاشات والشبكات، فيتذاكَوْن في تبرير الكراهية وتسويغ الأحقاد وترويج العنصرية ابتغاء تشجيعها وإيقاع اللوْم على ضحاياها. تُملي المسؤولية على الضمائر اليقظة أن تتنبّه لما يُحيكه الحالمون بالصراعات الأهلية والحرائق الطائفية والصدامات الثقافية، وأن تتداعى للأخذ على أيدي مشعلي الحرائق في الفضاء المجتمعي والإنساني المتنوِّع، قبل فوات فوات الأوان.