نظرة حول عمل لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري

الكاتب: أ.د عمر روابحي

تعد لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري هي الهيئة الأممية التي تشرف على تطبيق ومراقبة احترام اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وقد اعتمدت هذه الاتفاقية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1965 ودخلت حيز التنفيذ في عام 1969، وإلى غاية هذه اللحظة وقعت على الاتفاقية 89 دولة وصادقت عليها 183 دولة في العالم، بما فيها 22 دولة عربية.

في هذه الاتفاقية يقصد بتعبير “التمييز العنصري” أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني، يستهدف أو يستتبع تعطيل أوعرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان الحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها على قدم المساواة في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة.

وبالإضافة إلى تعهد الدول الأطراف في الاتفاقية بمنع التمييز العنصري ووضع حد له، فإنها كذلك تتعهد بضمان حق كل إنسان، دون تمييز في المساواة أمام القانون، ولا سيما بالتمتع بالحقوق الآتية:

  • الحق في معاملة على قدم المساوة أمام المحاكم وجميع الهيئات الأخرى التي تتولى إقامة العدل؛
  • الحق في الأمان على شخصه؛
  • الحقوق السياسية، لاسيما الاشتراك في الانتخابات، والإسهام في الحكم وفي إدارة الشؤون العامة والاستخدام المتساوي للمرافق العامة؛
  • الحقوق المدنية الأخرى، لاسيما حق الإنسان في حرية الحركة والإقامة داخل حدود الدولة و الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده، الحق في الجنسية، الحق في الزواج واختيار الزوج، حق الإنسان في التملك بمفرده أو بالاشتراك مع الآخرين، الحق في الإرث، الحق في حرة الفكر والعقيدة والدين، الحق في حرية الرأي والتعبير، الحق في حرية الاجتماع السلمي وتكوين الجمعيات والانتماء إليها؛
  • الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولاسيما الحق في العمل بما في ذلك حرية اختيار نع العمل، وف شروط عمل عادلة ومرضية، وفي الحماية من البطالة، وفي تقاضي أجر متناسب مع الجهد المبذول، وفي نيل مكافآت عادلة ومرضية، والحق في تكوين النقابات والانتماء إليها، الحق في السكن، الحق في التمتع بخدمات الصحة العامة والرعاية الطبية والضمان الاجتماعي والخدمات الاجتماعية، الحق في التعليم والتدريب، وحق المشاركة على قدم المساواة في النشاطات الثقافية؛
  • الحق في دخول أي مكان أو مرفق مخصص لانتفاع سواد الجمهور، مثل وسائل النقل والفنادق والمطاعم والمقاهي والمسارح والحدائق العامة.

وقد أحسن محررو الاتفاقية في تصنيف وتبويب فروع حقوق الإنسان المختلفة والتي يمكن أن تطالها قوانين وسياسات وممارسات تنطوي على تمييز عنصري، وتفاديا لعدم ترك أي ثغرات قانونية، أشارت اللجنة في توصيتها العامة رقم 20 بأن تعداد الحقوق الوارد في الاتفاقية ليس حصريا، وأن الحق في ألا يتعرض أي فرد للتمييز العنصري أثناء التمتع بالحقوق يمكن التذرع به كذلك في ممارسة حقوق لم تذكر صراحة في الاتفاقية.

تتألف لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري من 18 خبيرا تنتخبهم الدول الأطراف في الاتفاقية من بين مواطنيها ويخدمون بصفتهم الشخصية، ويراعئ في تشكيل اللجنة تأمين التوزيع الجغرافي العادل وتمثيل الألوان الحضارية المختلفة والنظم القانونية الرئيسية، وعلى سبيل المثال تضم التشكيلة الحالية للجنة خبراء من: قطر، الجزائر، بولندا، كوريا، ساحل العاج، الكاميرون، السنغال، تركيا، الصين، الولايات المتحدة الأمريكية، موريتانيا، ألمانيا، جامايكا، اليونان، طوغو، جنوب أفريقيا، البيرو، موريشيوس.

حسب ميلان بيدولت (Mylène BIDAULT) أستاذة القانون بجامعة فريبورغ السويسرية: “تعد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري سباقة في وضع آلية محددة للإشراف  على حسن تطبيقها من بين كل الآليات التي انبثقت عن الاتفاقيات التعاهدية داخل منظومة الأمم المتحدة”، وتتكون آلية التنفيذ المذكورة من ثلاث مسارات للرصد قوامها: التقارير الدورية، البلاغات بين الدول، والشكاوى الفردية.

أولا: آلية رفع التقارير:

تتعهد الدول الأطراف في الاتفاقية بتقديم تقرير أولي في غضون سنة واحدة بعد نفاذ الاتفاقية بالنسبة للدول الأطراف، وتقريرا مرة واحدة كل سنتين، وكذلك كلما طلبت منها اللجنة ذلك، وتتناول التقارير التدابير التشريعية والقضائية والإدارية وأي تدابير أخرى اتخذتها الدولة الطرف لإعمال الاتفاقية.

غير أن كثيرا من الدول تتلكؤ في ارسال تقاريرها، لاسيما تلك التي تمارس التمييز العنصري على مستوى التشريعات والسياسات، وفي آخر تقرير صدر عن لجنة القضاء على التمييز العنصري بتاريخ أبريل 2021 نشرت اللجنة قائمة بالدول الأطراف التي تأخرت في إرسال تقاريرها الدورية لما يزيد عن عشر سنوات، وذكرت منها: سوريا وليبيا والهند.

ثانيا: البلاغات بين الدول:

إذا اعتبرت دولة طرف في الاتفاقية أن دولة طرفا أخرى لا تضع أحكام هذه الاتفاقية موضع التنفيذ جاز لها أن تلفت نظر اللجنة إلى ذلك، وعلى العكس مما هو معمول به في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فإنه ليس ثمة حاجة لإعلان خاص صادر من طرف الدول للإقرار باختصاص اللجنة في استلام البلاغات بين الدول، غير أن اللجنة تتصدى للمسألة حصرا عندما لا يتوصل الطرفان إلى حل يرضيهما.

وعندما تفرغ اللجنة من النظر في المسألة، تقوم بإعداد تقرير ترفعه إلى رئيسها، يتضمن النتائج التي توصلت إليها بشأن جميع المسائل الوقائعية المتصلة بالنزاع بين الطرفين ويضم كذلك التوصيات التي تراها ملائمة لحل النزاع، وللدولتين السلطة التقديرية في قبول أو رفض التوصيات الصادرة عن اللجنة.

في 8 آذار/ مارس 2018 تلقت لجنة القضاء على التمييز العنصري ولأول مرة في تاريخها أول بلاغين مقدمين من قطر ضد الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وبعد قبول البلاغين من الناحية الشكلية والبدء في فحص المضمون، ارتأت اللجنة تعليق البلاغ بناء على طلب الأطراف المعنية بعد توقيع اتفاق العلا فيما بينها، كما قبلت اللجنة البلاغ الذي تقدمت به دولة فلسطين ضد إسرائيل في انتظار البت في المسألة في دوراتها القادمة.

ومن اللافت أن آلية البلاغات بين الدول التي لم تستخدم طوال تاريخ اللجنة التي تشرف على اتفاقية تضم أغلب دول العالم، فإذا بها تستخدم لأول مرة بين دول من الشرق الأوسط ضد بعضها البعض.

ثالثا: الشكاوى الفردية:

يحق لكل دولة طرف أن تعلن في أي حين أنها تعترف باختصاص اللجنة في استلام ودراسة الشكاوى المقدمة من الأفراد أو مجموعات من الأفراد التابعين لولايتها والذين يدعون أنهم ضحايا لانتهاك أي حق من الحقوق الواردة في الاتفاقية.

ويتم التعبير عن هذا الإعلان بالموافقة الصريحة للدولة الطرف على ما ورد في المادة 14 من الاتفاقية، وقد بدأ نفاذ المادة 14 في 03 ديسمبر 1982، وحتى اليوم أصدرت 59 دولة إعلان الموافقة، وهي بذلك وافقت صراحة على اختصاص اللجنة في تلقي الشكاوى الفردية والنظر فيها، وفيما عدا الجزائر والمغرب وفلسطين، لم تصدر أي دولة عربية هذا الإعلان، ولم تصدره أيضا تركيا وإيران وإسرائيل.

ولا شك أن إصدار إعلان بقبول اختصاص اللجنة في تلقي الشكاوى الفردية يدلل على ثقة الدولة في منظومتها التشريعية وسياساتها الحكومية غير العنصرية في حق المواطنين والمقيمين، وبالتالي فهي تسمح بآلية تقديم شكاوى فردية ضدها من أجل تطوير منظومتها والتعرف على الثغرات المحتملة فيها، ومن المستغرب حقا أن دولتين مثل كندا والولايات المتحدة الأمريكية لم يصدرا لغاية اليوم إعلانا بقبولهما لاختصاص النظر في الشكاوى الفردية.

*جميع المقالات المذكورة في الموقع تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المنظمة