محنة متعددة الأوجه يختبرها الطلبة السوريون في لبنان
في هذا التقرير نستعرض أحوال الطلاب والخرّيجين الذين لا تقلّ معاناتهم ومعاناة أهلهم وذويهم جرّاء اللجوء إلى لبنان، وجرّاء الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلد، والقوانين المفروضة في مسألة الانتساب إلى المدارس أو الثانويات والجامعات، ومن بعد ذلك رحلة التخرّج والعمل.
بات من المعروف، أن عدد اللاجئين السوريين المسجّلين لدى مفوضية اللاجئين يبلغ نحو 865 ألف لاجئ، إلا أن الأعداد غير الرسمية غير معروفة على وجه الدقة، لكنها تقارب بحسب بعض الإحصاءات مليون ونصف مليون لاجئ سوري، بينهم 660 ألف طفل سوري لاجئ في سنّ الدراسة.
وتشير تقارير منظمات دولية إلى أن نحو نصفهم لا يذهبون إلى المدرسة، وبحسب تقييم للأمم المتحدة فإن 30% منهم، أي 200 ألف، لم يذهبوا إلى المدرسة قط، و60% لم يتسجّلوا في المدارس خلال السنوات الأخيرة.
وفيما يتعلّق بأعداد الطلاب السوريين المسجّلين في المدارس، فتشير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان (UNHCR) إلى أن مجموع التلاميذ السوريين المسجّلين لدى المفوضية للعام الدراسي 2020-2021 بلغ 321 ألفًا و512 طالبًا، فيما لا يُعرَف على وجه الدقّة أعداد المسجّلين للعام 2022-2023، وإن كان المرجّح أنها لا تختلف كثيرًا زيادة أو نقصانًا.
يتوزّع الطلاب السوريون المسجّلون في المدارس على المدارس الرسمية الحكومية التابعة للدولة، وهم النسبة الأكبر من بين الطلاب السوريين، إذ تبلغ بحسب إحصاءات مفوضية اللاجئين نسبتهم حوالي 56%، بينما تضمّ المدارس نصف المجانية حوالي 3%، في حين تضم المدارس الخاصة النسبة المتبقية من المسجّلين، وهي قرابة 41%.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة اللبنانية خصّصت دوامًا في الفترة المسائية للطلاب السوريين المسجّلين لديها، وتقوم بعض الدول المانحة واليونيسف بتمويل تعليم أبناء اللاجئين السوريين المسجّلين في المدارس الحكومية، من خلال اتفاقات ثنائية مع وزارة التربية اللبنانية، فيما يخضع الطلاب السوريون للمنهج اللبناني المعتمد من قبل وزارة التربية للطلاب اللبنانيين، ويقوم بالتدريس أساتذة لبنانيون منتدبون من قبل وزارة التربية اللبنانية.
وفيما يتعلّق بالتعليم الجامعي، فإن أعداد الطلاب السوريين الذين كانوا يتسجّلون في الجامعات اللبنانية تراجع بشكل كبير، بالنظر إلى الحرب في سوريا واللجوء والأزمة الاقتصادية الخانقة والضاغطة في لبنان، وقد تضاربت أعداد الطلاب السوريين المسجّلين في الجامعات اللبنانية خلال السنوات الأخيرة بعد انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وبعد جائحة كورونا.
إذ سادت الفوضى العارمة الأعوام الجامعية بعد هذه الجائحة حتى بالنسبة إلى الطلاب اللبنانيين، ولم تستقرّ الأمور بعد بشكل نهائي حتى الساعة، غير أن السنوات التي سبقت الانتفاضة والجائحة أظهرت تراجع عدد الطلاب السوريين في الجامعات اللبنانية إلى حوالي 3%، في حين أنها كانت قبل الحرب في سوريا تساوي حوالي 20%.
وفيما يخص المعاناة التي يواجهها اللاجئون والطلاب على حدّ سواء، فهي كبيرة ومختلفة ومتعددة، ففي حين يقول فؤاد، وهو لاجئ سوري إلى لبنان لم يكشف إذا ما كان مسجّلًا لدى مفوضية اللاجئين أم لا، وله 6 أولاد وهو في العقد الثالث من العمر، ويقيم في محيط بيروت ويعمل في حراسة أحد الأبنية (ناطور بناية)، إنه لا يذهب من أولاده إلى المدرسة سوى واحد منهم فقط، والسبب كلفة التعليم والانتقال إلى المدرسة التي يمكن أن يتسجّل الأولاد فيها.
أمّا أحمد، وهو أب لـ 4 صبية و4 بنات، وهو في العقد الرابع من العمر، ويعمل في حراسة مزرعة، فإنه قام بشراء سيارة نقل صغيرة لنقل أبنائه وبعض الطلاب الآخرين إلى مدرسة حكومية تقوم بتدريس الطلاب السوريين في بلدة برجا في جبل لبنان.
من جهته، يقول خلدون إنه اضطر إلى نقل بعض أبنائه من مدرسة خاصة كانوا فيها إلى مدرسة رسمية حكومية، لعدم قدرته على مواصلة الدفع إنْ لناحية النقل وإنْ لناحية متطلبات المدرسة الخاصة، كما اضطر بعض أبنائه إلى التوقف عن الدراسة، بعد أن حصل على شهادة الباكالوريا اللبنانية ولم يتمكّن من التسجُّل في الجامعة.
وفيما يتصل بالمشكلات التي يواجهها الطلاب الجامعيون السوريون على وجه التحديد فهي كثيرة وعديدة، وأبرزها كما يقول عمر، وهو طالب جامعي حاز قبل عامَين على شهادة الثانوية العامة، الاستحصال على إقامة للسماح للطلاب بالتسجُّل في الجامعات اللبنانية، وهو أمر ليس سهلًا ويكاد يكون متعذرًا بسبب الإجراءات الإدارية والقانونية من ناحية، وكلفة استصدار إقامة من ناحية ثانية.
من جهته، يقول حسن، وهو طالب جامعي يدرس في الجامعة اللبنانية، إن من التحديات التي تنتظره بعد التخرّج الحصول على شهادته والوثائق الأكاديمية، فضلًا عن تحدّي وجود فرصة للعمل بعد التخرج.
ومن المعاناة التي يواجهها الطلاب السوريون الذين لا يملكون نسخة أصلية عن شهادة البكالوريا السورية مصدّقة، أنهم لا يملكون إمكانية تعديل شهادتهم في الجامعة اللبنانية إلا بعد الحصول على نسخة البكالوريا السورية مصدّقة، وبالتالي لا يستطيعون التسجيل في الجامعة اللبنانية، فضلًا عن ذلك يواجه بعضهم مشكلة المنهج اللبناني، حيث أغلبه باللغة الإنكليزية أو الفرنسية.
معاناة مستمرة ومتواصلة للاجئين السوريين إلى لبنان، أعقد وأصعب ما فيها أن عددًا لا يستهان به من الأطفال والفتيان والفتيات سيكبرون ويفتحون أعينهم على الحياة وكثير منهم لا يعرف قراءة الحرف، أو على أقل تقدير لن يتحصّل سوى على التعليم الأساسي في سنواته الأولى، كما لو أنه كُتب على هذا الشعب أن يعيش حالة من الضياع والجهل، بعد التشريد والتهجير ومعاناة اللجوء التي يعيشها.
أ. وائل نجم