عدنان حميدان
من حقي أن أتساءل عن قيمة الفاتورة المعنوية والمادية والتاريخية التي تدفعها الأمة مع استمرار الذبح على الهوية! وقد رأينا ما جرى ويجري في العراق على سبيل المثال، ونحن نتحدث عن تقسيم طائفي غير مسبوق تعيشه أمتنا في هذه الأيام.
إن من أبرز ما عمّت به البلوى الطائفية مسألة تداول مقاطع فيديو تظهر متحدثين باسم طوائف أو مذاهب معينة يتكلمون بشكل عنصري غبي في كثير من الأحيان، وتنتشر بين الناس انتشار النار في الهشيم سخرية وتسلية.
وما يغيب عن أذهان مروجي تلك المقاطع أن بعضها مكذوب ومختلق، وكثيرا منها يمثل حالات فردية أو محدودة وهذا – بالمناسبة – أمر موجود في كل التيارات والطوائف والمذاهب؛ حيث تجد من يرتدي ملابس توحي بمكانة دينية ثم يتكلم بهرطقات فردية لا سند لها، ويتلقفها أعداؤه على الفور بشوق وكأنهم وجدوا غنيمة، فيسارعون لنشرها وترويجها، فتنتشر أكثر مما كان يأمل صاحبها.
جرّب أن تكتب عبر محركات البحث “فضائح” أو “أسرار” أو ما شابه من عبارات، ثم تكتب اسم من تتبنى أيديولوجيته من فكر أو مذهب أو حتى تيار سياسي؛ وستجد العجب من إساءات وتشويه لعقيدتك!
السؤال الأخطر: كيف ستكون ردة فعلك؟.. أغلب الظن أن يتبادر لذهنك على الفور: أي هراء هذا؟ هؤلاء حاقدون؟ وستزداد قناعة بما تحمل وإيماناً بحجم المؤامرة على فكرك. بمعنى أن مثل تلك المقاطع مهما كانت قوية ضد تيار أو مذهب، فلن تثني أتباعه عنه بل ستزيدهم تمسكا به.
ولو كان هذا المنهج أجدى لما كان التوجيه القرآني بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة؛ بل لكان بالفضيحة وبيان السوء وتشويه المعتقد.
أكتب هذا وقد شاركت قبل أيام في اجتماع تحضيري لإطلاق جبهة فكرية ضد التعصب الطائفي؛ حيث تداعى عدد من المثقفين إلى إنشاء تجمع “متحدون ضد التعصب الطائفي”، وهو تجمع ثقافي مستقل، يهدف للتوعية بخطورة المفاهيم والأفكار والاتجاهات الداعمة للتعصب الطائفي والعنصري، ولتكوين إطار للتعاون في ترسيخ التفاهم بين أبناء الوطن الواحد والمنطقة الواحدة وفي السياق الإنساني العام، وإرساء قواعد العيش المشترك، ومناهضة كل أشكال التعصب الطائفي والعنصري البغيض والمدان، بهدف إقامة تحالف ثقافي عريض وفاعل حتى ينعم الجميع بالأمن والسلام والاحترام المتبادل والعدالة القانونية.
وأعتقد أن هذه الفكرة باتت ضرورة وقتية وفريضة شرعية في ظل حاجة الأمة للبحث عن نقاط اتفاق بعد أن فتكت بها عوامل الافتراق. ومن نافلة القول أن نؤكد عدم قدرة ولا صوابية فكرة إبادة طرف للآخر أو تطهير البلاد عرقيا من فئة معينة من الناس، ويسعنا في التعامل مع بعضنا ما وسع آباءنا وأجدادنا على مر قرون من الزمن، ومن تورط بدم أو مخالفة قانون فدورنا جميعا المساهمة بتوفير وتمكين القضاء العادل ليأخذ مجراه بحقه عبر مؤسسات الدولة، التي يعتبر إصلاحها أساسا جوهريا لتحقيق هذا الهدف. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وأن نضيء شمعة خير من أن نلعن الظلام.
نحتاج وقفة جادة حقيقية ضد عوامل التفرقة فيما بيننا وعلى رأسها الطائفية والعنصرية، خصوصا وقد تكالبت علينا الأمم ودهمتنا الأخطار من كل حدب وصوب.. “والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون”.