د.عبد الكريم بكار
إذا كنت تتساءل لماذا يحصل قادة المشاريع وقادة المؤسسات على رواتب تفوق أضعاف ما يتقاضاه أعضاء الفريق،
فاعلم أن السرّ ليس في عدد ساعات العمل ولا في عدد الاجتماعات ولا في عدد التقارير التي يكتبونها،
بل في قدرتهم على حمل ما لا يراه غيرهم، في أصعب اللحظات وأكثرها فوضى.
هذه الصفات التي ستقرأها هنا لن تجدها مكتوبة في أي وصف وظيفي لقائد مشروع، لكنها هي التي تحمي المشاريع والمؤسسات من الانهيار وسط المفاجآت والتغيّرات والصراعات.
قد تبدو للبعض بسيطة أو بديهية، لكن من خاض تجربة إدارة مشاريع كبرى يعلم أن غيابها يعني الفشل مهما كانت الخطط أنيقة.
تذكّر فقط: ٧٠٪ من المشاريع حول العالم تفشل في إنجازها ضمن الوقت والميزانية. وليس السبب نقصًا في الأدوات، بل لأن القائد الذي يفهم التفاصيل الدقيقة هو من يربط كل الخيوط حين ينهار الجميع.
هنا أضع بين يديك ٢٥ صفة خفيّة هي سر القادة الحقيقيين — اقرأها بعينٍ واعية، واسأل نفسك: أيّها تحمله أنت؟ وأيّها تفتقده مؤسستك؟
١) التعايش مع الغموض:
القائد لا ينتظر وضوح الصورة مائة بالمائة كي يبدأ.
يعرف كيف يقرّر وسط نقص المعلومات ويصنع وضوحًا مؤقتًا.
يدير التردد في الفريق ويحوّله إلى طاقة عمل لا إلى شلل جماعي.
٢) قراءة السياق:
لا يكتفي بظاهر الكلام أو الأرقام، بل يلتقط ما وراءها.
يفهم الدوافع الخفية ويحمي المشروع من المصالح المتقاطعة.
يربط بين الأحداث الصغيرة ويبني منها خريطة المخاطر والفرص.
٣) مرونة الذات:
يتراجع خطوة حين يتطلّب الأمر أن يتصدّر غيره.
لا يضيّع وقت الفريق في حرب إثبات الذات.
يبني احترامًا دائمًا لأنه لا يقف عند حدود الألقاب.
٤) الشجاعة الأدبية:
لا يجمّل الحقائق ولا يؤجّل الأخبار السيئة حتى تتضخم.
يقول ما يجب أن يُقال حين يجب، حتى لو كان صعبًا.
يحمي ثقته مع الإدارة والفريق لأنه لا يبيع الوهم.
٥) ذاكرة المشاريع:
يوثق القرارات الصحيحة والأخطاء بنفس القدر.
يراجع دروس الماضي ليحمي الحاضر من التكرار الكارثي.
يصنع من كل مشروع قاعدة بيانات حيّة للنمو المستقبلي.
٦) العدالة الدقيقة:
لا يجامل طرفًا على حساب آخر ليحفظ السلام الوهمي.
يعطي العملاء حقهم ويحمي الفريق من الاستغلال المفرط.
يحفظ مكانته حين يدرك الجميع أن ميزانه لا يميل مع الرياح.
٧) ذكاء العلاقات الداخلية:
يراقب التوترات الصغيرة بين الأقسام قبل أن تتحوّل إلى عداوات صامتة.
يفتح خطوطًا صحية للحوار حتى لا ينفجر الصمت في وقت حساس.
يوجه الاختلاف ليبقى محفّزًا وليس معطّلًا.
٨) كبح الحماس:
لا ينجرف خلف حماس مفرط قد ينسف الموارد أو الوقت.
يضبط الطموحات المبالغ فيها ويحوّلها إلى خطة واقعية.
يحمي سُمعة المشروع من وعود لا يمكن الوفاء بها.
٩) امتصاص الصدمات:
يتعامل مع المفاجآت بروح باردة لا تشيع الذعر في الفريق.
يعرف أن العقبات اليومية جزء طبيعي من دورة العمل.
يبني قدرة الفريق على التحمل بدلًا من التذمّر.
١٠) سرد الرؤية:
يربط الأهداف اليومية بالصورة الكبرى ليعطي العمل معنى.
يحكي قصة المشروع لجميع الأطراف حتى يعرف كل فرد قيمته.
يحوّل المهام الجافة إلى رسالة مشتركة تُنجز بقلب لا بيد فقط.
١١) حس التوقيت:
لا يضغط قبل الأوان ولا ينتظر حتى تفوت الفرص.
يعرف متى ينهي النقاش ومتى يفتح الباب للتفاوض.
يوجه كل خطوة لتكون في لحظتها الصحيحة بأقل خسارة.
١٢) تفكيك التعقيد:
يفكك المشاكل المعقدة إلى أجزاء يمكن التعامل معها.
يوزع الأدوار بوضوح فلا يتشتت الفريق أمام المهام.
يحمي المشروع من الإرباك حين تكثر التفاصيل وتتداخل.
١٣) طلب العون بذكاء:
لا يعتبر طلب المساعدة ضعفًا، بل شجاعة إدارية نادرة.
يعرف من يملك الإجابة ويطرق بابه في الوقت المناسب.
يوفّر على الفريق عناء التجربة الفاشلة حين يكون الحل موجودًا.
١٤) التوقع المسبق:
يرى الأخطار قبل أن يراها الآخرون بوضوح.
يضع بدائل لاستخدامها إذا اختل المسار فجأة.
ينقذ الميزانية من المفاجآت المدمّرة بتخطيط واقعي.
١٥) التقاط الإشارات:
يرصد العلامات الصغيرة على استياء أو فتور قبل أن تصبح أزمة.
يفهم تقلبات السوق أو رضا العميل من إشارات هامسة.
يتحرك قبل أن تكبر الإشارات ويصعب احتواؤها.
١٦) الحفاظ على الروح:
يشحن معنويات الفريق في اللحظة التي ينطفئون فيها.
يعيد التذكير بالرؤية حين تذوب في ضغط الأرقام.
يصنع من كل اجتماع فرصة لبث روح الأمل.
١٧) إدارة التوقعات:
يعد بما يستطيع الوفاء به، لا أكثر ولا أقل.
يوازن بين إرضاء العميل وقدرة الفريق الفعلية.
يحمي الثقة من الانهيار حين تصمد الوعود أمام التحديات.
١٨) الثبات على القيم:
لا يقايض المبادئ بالمكسب السريع أو الصفقة السهلة.
يعرف أن خسارة صفقة اليوم خير من خسارة السمعة غدًا.
يبني ولاءً صادقًا لأن الجميع يعرف خطه الأحمر.
١٩) الإيثار المرحلي:
يتنازل أحيانًا عن فرصة صغيرة لينقذ العلاقة الكبيرة.
يضحي بمكاسب فورية كي لا يخسر شريكًا موثوقًا.
يفكّر أبعد من لحظة التفاوض إلى ما بعد انتهاء المشروع.
٢٠) عدم التعلّق بالفشل:
لا يدفن نفسه في مشروع خاسر، بل ينهض ويحوّل الخسارة إلى دروس.
يحفّز الفريق على رؤية الإخفاق كجسر للخبرة.
يُبقي قلبه خفيفًا من الندم حتى لا يعطّله عن القادم.
٢١) رؤية الكل وسط التفاصيل:
لا ينشغل بالتفاصيل الدقيقة حتى ينسى الاتجاه الأكبر.
يبقى الرابط بين أجزاء المشروع لتسير ككتلة واحدة.
يصوّب المسار حين يرى الفريق يغرق في جزئية ويهمل الكل.
٢٢) إدارة المنطقة الرمادية:
يتعامل مع القرارات الصعبة التي لا تحمل لونًا واضحًا.
يوازن بين المتناقضات دون أن يضيع خط النهاية.
يحمي المؤسسة من الجمود حين لا يكون الطريق مرسومًا بالكامل.
٢٣) شبكة علاقات واعية:
لا يجمع بطاقات الأسماء للزينة، بل يكوّن شراكات حقيقية.
يعرف متى يلجأ لكل علاقة ليخرج المشروع من عنق الزجاجة.
يبني للفريق أبوابًا جديدة عند انسداد الخيارات.
٢٤) إدارة الموارد بعقلانية:
يستثمر الوقت والمال والجهد في ما يحقق العائد الأهم.
لا ينهك الفريق في تفاصيل هامشية ولا يسمح بهدر الميزانية.
يوجّه الموارد بحكمة حتى آخر لحظة من عمر المشروع.
٢٥) حسم الاجتماعات:
لا يجعل الاجتماعات مجرد نقاشات مفتوحة بلا نهاية.
يديرها بجدول واضح ونتائج محددة وخطوات تنفيذية.
يحفظ وقت الجميع ليعودوا إلى العمل بخطة لا بأسئلة جديدة.
ختامًا:
هذه الصفات لا تجدها في ورقة عرض عمل ولا تقيّمها لجنة ترقية، لكنها وحدها تفصل بين مدير يستهلك فريقه…
وقائد ينقذ مشروعًا في أصعب اللحظات.
ولو كانت لك تجربة مع قائد قوي وناجح ستلاحظ أنه يحمل معظم هذه الصفات دون أن يتحدث عنها كثيرًا.
احفظها وابنها في نفسك، وكن أنت القيمة التي لا تقدّر بمرتب ولا توقّع عليها عقود،
بل يعرفها الناس حين يحين الوقت الذي ينهار فيه كل شيء… ولا يقف في الميدان إلا من يحملها.