تنامي التيار القومي وانعكاساته على مستقبل اللاجئين والأجانب في تركيا
محمود عثمان
وبينما شكل مفهوم الأمة “Milliyetçilik” أي الأمة القوميّة التركيّة أحد أركانها الأساسية، فرضت العلمانية على الشعب التركي بالقوة، وتم عزل تركيا عن محيطها العربي والإسلامي، من خلال إثارة النعرات القومية، باتهام العرب بخيانة الدولة العثمانية، وطعنها في الظهر، وبأنهم يكرهون تركيا والأتراك، وكان للإنكليز اليد الطولى في بث الفتنة بين الطرفين، بناء على القاعدة الاستعمارية الشهيرة، فرق تسد، ونحجوا في ذلك أيما نجاح.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن النظرة السلبية لدى القوميين العنصريين لم تكن مقصورة على العرب فقط، بل شملت جميع الأمم والشعوب الأخرى، حتى انتشرت مقولة:( لاصديق للتركي إلا التركي) !..
في الثمانينيات من القرن الماضي، حققت تركيا بقيادة المرحوم تورغوت أوزال نهضتها الصناعية، وبدأت مرحلة جديدة من الانفتاح شمل العالمين العربي والإسلامي.
ثم جاءت فترة حكم حزب العدالة والتنمية لتدفع تركيا مرة أخرى إلى مركز الصدارة، وزعامة العالم الإسلامي. رغم ذلك لاقت بوصلة أنقرة الجديدة مقاومة شرسة من طرف شرائح سياسية عريضة داخل تركيا، لم تتمكن من الجهر بميولها العنصرية خلال الفترة الذهبية لصعود حزب العدالة والتنمية.
لكن الحركات القومية العنصرية وجدت الفرصة سانحة بعد تراجع ثورات الربيع العربي، واتفاق جميع دول العالم على خذلان الشعوب التي ثارت على جلاديها، فاستغلت تلك القوى الأزمات السياسية والاقتصادية، ثم جاءت الاستحقاقات الانتخابية في تركيا، لتمنحها فرصة ذهبية، باستخدام ورقة اللاجئيين السوريين وسيلة ضغط فعالة ضد حكومة حزب العدالة والتنمية، التي فشلت من جهتها في تطوير سياسات تقنع الناخب، وتحافظ على أمن واستقرار اللاجئين.
ثم جاءت الأزمة الاقتصادية لتعمق الأزمة وتزيدها تعقيدا، فتحول اللاجئون إلى شماعة يلقى عليها الجميع سلبياتهم وإخفاقاتهم، ويعزى إليها جميع الأزمات والنكبات !.
التيارات القومية التركية
هناك طبقة النخبة، وهي شريحة اجتماعية هامة، تسمى “الاتراك البيض”، تشكل القاعدة الشعبية لحزب الشعب الجمهوري. يعتقد المنتمون إليها أنهم مؤسسوا الجمهورية التركية وغيرهم ضيوف، وأنهم حماة العلمانية وغيرهم رجعي، وانهم متعلمون متفوقون وغيرهم جاهل. لذلك ينظرون إلى بقية شرائح الشعب، وخصوصا المحافظين منهم نظرة فوقية استعلائية، ويصفون من ينتخب حزب العدالة والتنمية بالجهلة والرعاع.
ثمة حركات سياسية قومية أخرى، على رأسها حزب الحركة القومي، تهتم بالانسان التركي بغض النظر عن انتمائه الديني والمذهبي والاعتقادي. مع ذلك تعتبر الدين الإسلامي تراثا تركياً، وأحد مقومات القومية التركية.
حكومة أردوغان مقبلة على استحقاق الانتخابات البلدية، التي توليها أهمية كبيرة، حيث تطمح إلى استعادة بلديات إسطنبول وأنقرة من المعارضة، تريد سحب ورقة اللاجئين من أيدي المعارضة من جهة، وتتجنب خوض معارك استقطاب سياسية جانبية من جهة أخرى..
وهناك حركات سياسية أخرى تصنف ضمن التيار القومي، منها حزب الاتحاد الكبير، وهو حركة قومية محافظة تدعو إلى الالتزام بتعاليم الدين الإسلامي، وترفض العنصرية والنظرة السلبية للاجئين.
وهنا لا بد من الإشارة إلى القوميين الأكراد على اختلاف مشاربهم، فمنهم العلماني ومنهم الإسلامي ومنهم المحافظ. لكن التيار القومي الكردي الأبرز عنصرية وتشددا، يمثله ويقوده تنظيم ب ك ك الإرهابي، الذي اختار العنف والإرهاب وسيلة للوصول إلى أهدافه، وتحول من حركة تريد / تزعم خدمة الأكراد، إلى بندقية مأجورة تخدم الأجندات الغربية التي تريد إضعاف تركيا.
تنامي القومية وخطاب الكراهية
بعد عام 2015، شهد خطاب حزب “العدالة والتنمية” وسياساته تحولات بارزة، تميزت بظهور نزعة قومية، سعى الحزب من خلالها الى اجتذاب الناخبين المحافظين، عقب تطور ظاهرة القومية المتطرفة، وتأثيرها بالشرائح الناخبة في الانتخابات البرلمانية التي جرت ذاك العام، والتي خسر فيها الأكثرية التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا.
وقد أدى نمو الفكر القومي بشقيه المحافظ والمتطرف، إلى ما بات يعرف عالميا بـ”خطاب الكراهية”، الموجه ضد الآخر، الذي يتمثل بصورة أساسية في الغرباء واللاجئين. هذا الخطاب العنصري يتبناه ويعبر عنه بشكل صريح كل من أوميد أوزداغ وسنان أوغان، من خلال مطالبتهم المستمرة بطرد اللاجئين الذين تستضيفهم تركيا تحت بند “الحماية المؤقتة” وخاصة السوريين منهم، وتبنيهم برامج سياسية تعد بإعادتهم الى بلدهم “قسرا إذا اضطر الأمر”.
هذه الخطاب العنصري يعكس قدرا ملموسا من تفشي الكراهية ضد اللاجئين في المجتمع التركي، واعتبارهم عبئا اقتصاديا ثقيلا، ولا سيما في ظل اشتداد حدة الأزمة الاقتصادية في تركيا، وتفاقم معدلات التضخم، وتراجع سعر صرف العملة المحلية.
ملابسات معقدة حول حملة ترحيل المخالفين
في الآونة الأخيرة، شهدت تركيا عموما، واسطنبول على وجه الخصوص، حملة واسعة النطاق شملت اللاجئين الأفغان والسوريين، وطالت الأجانب عموما، حتى وصلت ارتداداتها إلى السياح الخليجيين وغيرهم.
ثمة أسباب عديدة ومتشابكة ومعقدة خلف هذه الحملة أهمها:
أولا ـ الصراعات والتجاذبات داخل الأجهزة الأمنية نفسها، حيث يجري الحديث عن جهود رسمية تركية لجهة استعادة شخصيات بارزة في عالم المافيا، كانت قد وجهت اتهامات خطيرة لشخصيات أمنية كانت على رأس هرم تلك الأجهزة.
ثانيا ـ تصفية / إضعاف التيار القومي العنصري الذي يقوده أوميد أزداغ وغيره.
ثالثا ـ ترشيق وجود اللاجئين السورييين، وقصره على النظاميين المفيدين منهم فقط.
رابعا ـ تهيئة الظروف المناسبة لتوطين اللاجئين والنازحين بالشمال المحرر، في المدن والمجمعات السكنية التي بنتها تركيا بتمويل قطري، ومساهمة منظمات المجتمع المدني السورية والتركية وغيرها.
كما لا بد من التأكيد على أن حكومة أردوغان مقبلة على استحقاق الانتخابات البلدية، التي توليها أهمية كبيرة، حيث تطمح إلى استعادة بلديات إسطنبول وأنقرة من المعارضة، تريد سحب ورقة اللاجئين من أيدي المعارضة من جهة، وتتجنب خوض معارك استقطاب سياسية جانبية من جهة أخرى، غضت بصرها، وربما سمحت بقدر من الخشونة والقسوة والتعسف في استخدام الصلاحيات وتطبيق القانون، لكي تكون الأجواء مهيئة، وذرائع التصفية / والإبعاد مقبولة لدى الرأي العام التركي، الذي يرفض تلك التجاوزات من منطق إنساني بحت.
ختاما، تعاني أغلب دول العالم من أزمات اقتصادية خانقة، يقابلها توسع بؤر التوتر والحروب، وتأثير ذلك في تضاعف أعداد اللاجئين، مما يشكل أرضية خصبة لنمو الفكر القومي المتطرف.
هنا لا بد من التذكير بأن خريطة العالم سبق أن تغيرت تحت وطأة وتأثير الفكر القومي المتطرف، فظهرت كيانات ودول، واندثرت ممالك وإمبراطوريات. فهل يقود انتشار هذا الفكر مرة أخرى الى تغيير جديد في خريطة العالم؟